في تأثير الأخلاق الفردية
هناك مسلَّمة عند من يمكن تسميتهم بالمفرطين في تأثير الأخلاق تقول: أصلح الفرد تصلح المجتمع، هذه المسلَّمة كان في حبكة رواية دستويفسكي (الجريمة والعقاب) ما يصلح لأن تصور نقاشها، ومختصرها أنَّ شابًا جامعيًا يغرم بفتاة، ثم يجدها تتقلب بين الزبائن! يجن جنونه، وقد اشتعلت نيران غيرته عليها، وهي الشابة الفاتنة الرصينة لمَ تفعل هذا؟
ثم يعرف أنها تنفق على إخوتها الأيتام الصغار ولا يمكنها أن تتركهم جوعى، فينقلب حقده إلى عاطفة جارفة فتتحرك نخوته ليؤثرها بالنفقة التي ترسلها إليه أمه الفقيرة لينفق بها على دراسته وحاجاته، فيعطيها المال مقابل أن تترك ذلك العمل الشنيع! تمضي أيام معدودة فتنتهي أمواله وتعود لعملها المعتاد، فيسعى لمنعها بالسرقة من جارته العجوز الجشعة التي تكنز المال، وهي التي تفاجئه في بيتها، فيرتكب جريمة بقتلها!
نهاية مأساوية لكنها تطرح فكرة هل يقظة ضميره كانت كفيلة بحل مشكلة أخلاقية تمثلت في سعيه لإنقاذ الفتاة؟ وكيف أنَّ عدالته الصغيرة افتعلت جريمة قتل أكبر، هل كان يمكن بضميره الحي أن يعوّل على ضمائر المجتمع قبل أن تهرم فتاته! أم الأمر أكبر من هذا حين يتعلق بمجمل العلاقات الاجتماعية، مرتبط بالنظام بصورة يبدو فيها التعويل على الأخلاق الفردية في الحلول الاجتماعية هزيلًا.