احذر أنْ تكون رأسماليًا ولا تشعر!
قرأت هذا المقطع، لأحد الوعاظ ينصح فيه أصحاب العمل بألا يكتفوا بإعطاء العمال القليل من المال، وألا يكونوا رأسماليين وهم لا يشعرون، ذكرني بعنوان كتاب (من يكفر ولا يشعر) لقطلوبغا، المهم: قال بأن الرأسمالية الغربية تتعامل مع العمال على أنهم أيدٍ عاملة فحسب، وتستبدلهم متى وجدت أيدٍ أرخص، وقد تستعيض عنهم بالآلات لتوفير المال، فيطالب صاحب العمل بالتفكير بصفته مسلمًا، حتى لا يضحي رأسماليًا وهو لا يدري، وألا يساهم بالإفقار الممنهج، وأنت تقرأ هذا النص تكاد تتخيل أنه من رواية ساخرة لكنه حقيقي، وسأذكر شيئًا من التشويه الذي يساهم فيه، في تصوير واقع النظام الرأسمالي، وأنّ هذا التشويه حاصل سواء شعر به مصدّق هذا الكلام أو لم يفعل.
لما نتحدث عن صاحب العمل المالك لأدوات الإنتاج فإننا نتكلم عن رأسمالي، هذا واقع موضوعي، سواء شعر به أو لم يشعر، فالواقع ليس مرتبطًا في وجوده بمعرفته أو استشعاره، [مبحث مجاله نظرية المعرفة والوجود] هناك رأسمالي صغير وآخر أكبر، واحد لا يزال يشارك في العمل، وآخر انفصل عن العمل تمامًا هذا في مراتبه في الرأسمالية فحسب، لكنه مالك لأدوات الإنتاج والعامل لا يملك إلا أن يبيع قوة عمله، هذا الفارق الموضوعي بينهما، شعرا بذلك أو لم يفعلا.
الرأسمالية نظام وإن بدأ في أوروبة مع الثورة الصناعية، لكنه تعمم، وانقض على العالم القديم ليطحنه بعجلة التاريخ، فمحاولة جعلها نظامًا غربيًا غير صحيح، نأخذ على سبيل المثال النظام الإقطاعي، هذا النظام ليس منتجًا إسلاميًا في بدايته لكنه كان عالميًا حينًا من الدهر، ولمدة طويلة، ولذا كان الإقطاعي ينظر إلى مقتنياته من البشر (العبيد) على أنهم مال له، لذا تجد الفقهاء يخرّجون العبد على أنه مال، وجمهورهم لا يجعل القصاص بين العبد والحر، باعتبار أن الحر لو قتل عبدًا فإنما أتلف مال صاحبه، فلا شيء أسخف من محاولة جعل الرأسمالية كأنها قضية قومية ما بين شرق لا يرى في العامل إلا إنسانًا وغرب لا يرى فيه إلا قوة عاملة! وما هذا إلا كتصوير الإقطاع الغربي على أنه نظر إلى العبيد على أنهم مقتنيات ففي الشرق ماذا كانوا؟!
فالرأسمالي مسلم أو غير ذلك حتمًا علاقته بالعامل أنه يشتري منه قوة عمله، ومن العجائب تصور أن نظامًا اقتصاديًا يمكنه أن يعارض تخفيف نفقات العمال، وزيادة الإنتاج، هذه حتمية اقتصادية، سيتم التخلي عن النُّساخ لصالح الطباعة، الأعمال اليدوية لصالح الصناعة، وهكذا، وهو جانب التحديث الذي جعل الرأسمالية تحطم العالم القديم، وما قيل هنا في مقام الوعظ لا أساس علمي له بل الرأسمالي الذي يصر على عدد كبير من العمال ولا يريد استبدالهم بآلة واحدة تختصر عليه النفقات وترفع الإنتاج محكوم عليه بالانقراض في عالم المنافسة.
نأتي لقضية الأجور، الوعظ هذا مارسه العديد من القساوسة في أوروبة وعرف في أوساط العمال بأنه الدعوة (للإحسان المسيحي)، وهو ما تخلى عنه العمال في سيرتهم الكفاحية الطويلة، فليسوا تحت رحمة يقظة ضمير صاحب مصنع مثلًا، فضلًا عن كونه غير مضمون، ثم إنهم لا يطالبون بالتبرّع بل بالحقوق، لذا نظروا للأمر على أنه انتزاع ومن هنا جاءت فكرة تحديد ساعات العمل، والحد الأدنى للأجور، وهي إحدى مناطق نضالهم لتقليل الساعات ورفع الأجور من باب أنها حق، لا إحسان وتفضّل من الرأسمالي، ومن وجهة نظر الرأسمالي فإنه يرى أن رفع نفقاته يعيقه في المنافسة، فهو يرفع النفقات وغيره ينتج بالنفقة نفسها أكثر منه وهذا يعني تحطيمه على المدى الطويل في المنافسة.
هذا الكلام قد يزعج العديد من الذين لا يزالون يتخيلون أن مسلمًا تعني أنه ليس رأسماليًا! صاحب بنك مسلم مثلًا لا أخي فكر بصفتك مسلمًا سيتم تصنيف البنك حينها على أنه شيء مختلف عن عالم الرأسمالية، لا يضيرني أن يحسن صاحب العمل للعمال عنده، لكن فكرة المنشور ألا يتم تشويه العلاقات في الرأسمالية، لصالح صور وعظية.