في النقاش حول تدريس مادة الفلسفة…

طرح هذه المدة نقاش حول هذا الموضوع، وتجد الهلع في العديد ممن يتكلمون باسم الدين حول هذا الموضوع، بعضه صريح يقول هذا علم لا ينفع، وسيضلون أبناءكم ونحو ذلك، طيب، هؤلاء أنفسهم ماذا يريدون؟ يقولون (كليات الشريعة) كافية، يعلمونهم الكتاب والسنة، بالمناسبة: هؤلاء أنفسهم يقولون في كليات الشريعة الشيء نفسه، إن جرى اعتماد المناهج الأشعرية مثلًا في (الإلهيات) وكانوا مخالفين لها: سيقولون يعلمونهم الكفر، يعلمون أبناءكم نفي وجود الله، وإن كانوا أشعرية سيقلبون الأمر ولا يترددون في تسمية ما يدرّسه السلفيون بالكفر، بحجة التجسيم والتبعيض إلى آخره.

يقولون الفلسفة سبب الكفر، على أساس أن عام الردة الأشهر في تاريخ المسلمين كان لأن مسيلمة وسجاح تعرفا على بعضهما في رواق الوجودية! ومن هؤلاء من لو ترك الأمر له حينًا من الدهر لدرّس أشد الكتب تطرفًا تبعًا لإيدلوجيته قبل أن يغير مواقفه! فتخيل أن يكون الناس رهائن ميوله كل حين!

نأتي للهلع المقنّع الذي يحاول إظهار نفسه بصورة المثقف الحضاري، يأتي ويقول: نحن في كليات الشريعة أصلًا ندرّس نظرية المعرفة، والمنطق، ونحو ذلك ولذا نريد رقابة على الموضوع فحسب! هذا الصنف أشد دهاء من الأول وأخطر.

هذا الصنف لو ترك الأمر إليه لم يعد هناك تخصص تاريخ مثلًا: لأن عنده قناعات دينية تقول بوجوب الإمساك عما شجر من فتن بين المسلمين، ولن يتكلم إلا فيما يعزز الوحدة والوئام ببن خلق الله! مجرد رقابة، لن يكون هناك تخصص اقتصاد: لأن هؤلاء قد اختصروا الطريق ويخرّجون “متخصصين” بالاقتصاد الإسلامي، فما الحاجة لدراسة عموم الاقتصاد، مجرد رقابة، هناك “علم نفس إسلامي” و"علم اجتماع إسلامي" وقد استحدثوا فروعًا لا تنتهي تحت عنوان “الدراسات الإسلامية” لو ترك الأمر لهم سيتحول كل التعليم لفروع في كلية الشريعة، ويكفي لتعلم أي تعليم هذا وهو يخرج أناسًا تعتبر أن نظريات الإعجاز العددي لها حظ من النظر، ولا تنسَ موجة الإعجاز العلمي ونحوها.

بالمناسبة ما يدرّسونه ليس الفلسفة، بل مجرد تجميد لمخلفات تعليمية من العصر العباسي، ومواقف مشحونة على بعض الفلسفات الحديثة، بحيث يكون همهم تدريس تعليقاتهم لا فهم أي شيء عن حركة الفلسفة في العالم، وتطورها ونحو ذلك لذا تأتي كتبهم بصورة المواقف التي تشرح رفضهم لا أنها تقدم شيئًا في حقل الفلسفة، وفكرة الرقابة التي يطرحونها ليست سوى فرع على إدمان الرقابة الأمنية والسياسية على كل كلمة هنا وهناك!

يفترض أن تدرس هذه المادة بمهنية وجدارة، وهذا يتعلق بالمدرّس المؤهل وعموم الاهتمام بالقطاع التعليمي، بما يشمل أجور المعلمين وظروف التعليم، ولكن واضح أن هؤلاء لا يهمهم هذا المبحث، ويتركون نقاش الظروف التعليمية التي يحيل تدهورها التعليم بمجمله إلى ملهاة ومأساة، ليفرغوا أحقادهم على كل ما يرونهم يزعزع سلطتهم ونفوذهم الاجتماعي.