لم تصنع المرثيات شيئًا سوى أنها أضفت موتًا على الموت، جمّدت لحظة لتجعلها أبدية، خاطبت الدموع، وأثارتْ الشفقة، لكنها لم تسمِ الأخطاء، وأسباب الكوارث، وبقيت سوق أدبائها نشطة كلما تكررت الكارثة، في تجاهل لما كان حين تجاوز الإنسان إضفاء البريق على الدماء، حين نضج فلم يغمض عينيه عن جراح نازفة، بل حدّق في الجراح، ودرسها، وسماها باسمها، فهنا بتر، وهنا حرق، هذه يد مكسورة، حينها تمكن من تطوير الطب، فتجاوز الإعاقات الدائمة، وعالج ما كان يعتبره مَقتلًا، هذا متفهم اليوم في حال الجراح الفرديّة، لكنّ العديد من الكتاب يتجاهلونه في المجتمعات، فيرتدّون إلى التعبير عن التوجعات، بصورتها الأكثر ذاتية، عن توجعاتهم هم، واغترابهم، وإحباطهم، مهما يكن فمثل هذا لا يعالج المجتمعات، ما لم يبحثوا بجد ويحدّقوا في وهج التاريخ، ويسموا الأحداث باسمها، بلا فزع إلى هالات الأدب فيه، حيث أسكرت نشوته متذوقيه بلا صحو.