هناك كتاب قديم نوعًا ما بحث في سؤال لمَ يصعب التغيير الحقيقي في الدول العربية، وهو كتاب (تاريخ الشعوب العربية) لإلبرت حوراني، فكان مما ذكره التضخم الهائل في قطاع الموظفين في الدولة.

هذا يعني أن قطاعًا من الشعب-وهو القطاع الذي يشكل مجموعًا هو الأكثر تعليمًا-مرتبط بشكل أساسي بالدولة، وعن هؤلاء تتفرع دوائر أخرى مستفيدة منهم، مثل القطاع الخاص الهزيل الذي سيعتمد على ما يشتريه منهم هؤلاء الموظفون، بما يجعل الجميع حريصين على الإبقاء الوضع القائم كل حين، مع غرابة التضخم أحيانًا كأن يكون عدد العاملين في الشرطة والأمن الداخلي أكبر من عدد أفراد الجيش، هذا يحوّل البلد في كل زاوية إلى تابع للدولة، وهو ما يقتل الاقتصاد، لكنه يبقي على الوضع السياسي كما هو، لنتذكّر على سبيل المثال أن مؤسسة الأزهر وحدها مرتبطة سنويًا بما يقارب مليار دولار سنويًا بالدولة، وهكذا.

هذه الكتلة لا يتصوّر فصلها عن الدولة دون دفع أكبر قدر منها إلى القطاع الخاص، وبالتالي إيجاد طبقة تعيش دون الارتباط العضوي بامتصاص ميزانية الدولة، وعندها يمكن التأثير مجددًا في الدولة دون التبعية التامة، تبعية الموظف الذي يخشى رميه في الشارع، الأمر شبيه بمن يأخذ مصروفه من والده، وفي الوقت نفسه يتحدث عن حلمه بحريته في الرأي والقرار بمعزل عن والده!