الخطاب الهجين؛ كيف يتحول انتماؤك إلى أكثرية، إلى اضطهادك كأقلية!
تابعت الضجة حول كلام شيخ الأزهر أحمد الطيب حول رفض مصطلح الذمة، واعتبار المواطنة تشمل الجميع، فغير المسلمين هم مواطنون، ليسوا رعية تابعة، وهو ما قد يفرح له بعض الليبراليين حين يمكنهم إرجاع هذا الكلام إلى نتائج الثورة الفرنسية، والدولة المدنية الحديثة، لكن لا بد من تمهل، إذ قد يقول قائل: إن المؤسسة الأزهرية تحاول فرض نفسها باعتبارها كيانًا متعاليًا على صيغة المواطنة نفسها، لتقول للمسلمين تحديدًا: يجب عليهم أن يتعاملوا مع غيرهم على أنهم مواطنون، أليس هذا الكلام يفترض أن يشمل شيخ الأزهر نفسه والمؤسسة كلها بأنهم مواطنون، وهذا يفتح باب السؤال عن هؤلاء (المواطنين)؟
ففي دولة جرى فيها افتراض أن يكون قد انتهى الكلام عن أهل الذمة، أليس ينبغي كذلك أن ينتهي الحديث عن (العارفين، والدراويش) الذين تنفق عليهم الدولة، ما المردود الذي يعيدونه لهذه الدولة من الأموال التي تخصص لهم؟ هكذا تفكر الدولة المدنية كما يفترض، لا تنفق الدولة على (التكايا والزوايا) إلا في وقت كانت فيه مصطلحات (أهل الذمة، ودار الحرب، ودار الكفر) قائمة ولها سوق، فالدولة الحديثة من حق المواطنين فيها أن يسألوا عن النفقات أين تذهب، أم إن رفع الدعم يكون عن الخبز فقط؟ ألم تسمعوا عن رفع الدعم عن المؤسسات الدينية في العالم؟ مع إعفائها من الضرائب، تخيل لو أخذنا المبلغ من الثاني ووضعناه في الأول، قد نوزع الفطائر مجانًا على المواطنين!
هل يعقل على سبيل المثال اقتطاع قسم من ميزانية الدولة للإنفاق على (زاوية) تدرّس أحكام أهل الذمة، ليخرج المتحدث باسمها ويقول بأن هذا انتهى وأننا في عهد المواطنة فقط؟ ألا يقول أي عاقل بأن على مولانا المواطن البحث عن عمل فقد كان يدرس علمًا لا ينفع، ويعمل بلا عمل!
وهذا يدفع للسؤال عن طريقة تعامل هذه المؤسسة مع المسلمين الذين يشكلون الأغلبية في مصر، من حيث العدد، إذ تتكلم باسمهم دينيًا، كأنها ليست بحاجة للبحث في مشروعية منحها هذه السلطة، فعهد المواطنة يفترض أن يمنع أقومًا أن يفرضوا أنفسهم على غيرهم من المواطنين كأنهم نزلوا من السماء ليتحدثوا باسم الناس في شؤونهم العامة، من سياسة إلى اقتصاد، من فلسفة إلى فن، آكلين شاربين على نفقات الدولة.
ثم ألا تستعمل هذه المؤسسة صيغًا دينية لإقصاء من خالفها من الأكثرية؟ بما يشبه قرارات الحرمان الكنسي (في عهد الإقطاع قبل المواطنة) ضد التيارات الدينية التي لا تتوافق مع المؤسسة الأزهرية، في حين أن هؤلاء هم مواطنون كذلك؟ ففي دولة المواطنة هل رأيتم رجلًا يُسأل في محكمة: لمَ لم تدرس الدين في الأزهر؟ وما رأيك بأبي الحسن الأشعري؟ أليس في عهد المواطنة يحق للمواطنين التجمع؟ عفوًا قد لا تعرف المؤسسة الدينية هذا الاسم فتسميه بالتهجد! لذا فهو لا يشمله عندها.
الخطاب الهجين، يقول لك لا إشكال ألا تكون مواطنًا ما دمت تنتمي للأكثرية! سأتدخل في حياتك، أقول لك ما الصحيح وما الغلط، أنا مسؤول عن خلاصك يا بني، لكن أنت مواطن ما لم تكن مسلمًا.
مودتي🌹