عقلية الجندي
هناك من بقي حبيسًا لتشبيه سيد قطب للرعيل الأول بأن الواحد منهم مثل الجندي الذي ينفذ الأمر الإلهي دون نقاش، وبقطع النظر عن الشواهد المعكرة على هذا، فإن هذا القول لا يستحضر مفعول التاريخ، فمن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة، ليس كمن نُقل له قول عن النبي، ولو استعملت هذه العقلية في كثير من الأحاديث والفروع الفقهية، لسارع المرء في تنفيذ حديث مكذوب يحسبه صحيحًا، أو قول لفقيه لا يلزم العالمين وقد يكون خطأ بينًا وزلة عالم.
تتحالف هذه العقلية بالاختزال التجريدي، مثل القول: إنه لا يضير أن يكون المسلم عالمًا فقيهًا طيارًا طبيبًا إلى آخره، وهذا الجمع التجريدي لا يمت للواقع بصلة، بل التوسع في كل النواحي ينقص من القدرة التخصصية في المباحث، ويكشف عن عقلية الفرد لا المؤسسات، فتجد هؤلاء يتمنون وجود فرد قائد بمواصفات الدولة، لا دولة أو مؤسسة متوزعة التخصصات بين الأفراد، كذلك الحركات الجماعية، والسياسية، بقيت مثل طرق الصوفية حيث يتربع على رأسها شيخ بمواصفات يُزعم أنها خارقة، والأفراد دونه يدورون في فلكه، ويسلمون له، وهي تصورات لا يمكن أن تصمد في مزاحمة المؤسسات والتخصصات الحديثة.