العالم ليس وجدانًا!

كثيرون حتى ممن يحسبون أنهم يمارسون العمل السياسي، لا يفهمون أن العالم الواقعي ليس هو العالم الفكري والوجداني، العالم الواقعي الذي يمنع دولة من اجتياح أخرى ليس قانونًا دوليًا ولا قناعة بأن هذا محرّم، بقدر حسابات الربح والخسارة، بالنظر البعيد والقريب لهذا.

السلام الطويل الذي نعمت به أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كان في المقام الأساسي لتوزع أسلحة الدمار الشامل بين الدول، لا لقناعات فكرية وأخلاقية ووجدانية، والإنسان كائن يحب تشريع أعماله لذا يتخيل أن هذا بسبب ما سوغ به الفعل لا أنه سوغه لأنه حصل!

القناعات عوامل ثانوية في هذا الإطار، وتبقى الحسابات الواقعية سيدة الموقف، وتاريخيًا كلما طغت القناعات على الأرقام: كانت الكارثة بالانتظار، كثيرون لا يملكون رصيدًا واقعيًا على الأرض: ضمان مصالح، أو الإضرار الفعال بمصالح، يحسبون أنهم بنشر التعاطف والشرح المطول عن عدالة قضية سيغيرون المعادلة! في حين “يُرجى الفتى كيما يضر وينفع”!

العالم لن يتوقف فيها التجار عن المنافسة الشرسة التي يتحطم فيها واحد لحساب آخر لأن عاطلًا عن العمل صرخ: (أحبوا بعضكم) ولن تتوقف الحرب لأن الناس يستمعون فيروز تغني كل صباح للسلام!

من يعاني من الإفلاس لن يجلس على طاولة لتجار هذا الكوكب، ليحدثهم عن صفقة أو يسمع أحد له تهديدًا بأنه لن يشتري منه بضاعته، فضلًا عن سماع خطبة مملة عن الأرامل واليتامى!

في عالم مثل هذا حري بالضعيف أن يلتفت إلى نفسه بدل تسجيل نقاطه الأخلاقية الفذة على الكوكب، ليحوز الجائزة الأولى في بطولة العالم في الأخلاق! عليه أن يفكر بطريقة منظمة للخروج من النفق، بدل حملات الهجاء المتكررة للعالم الذي لا يعبأ به، عليه أن يفرض مطالبه لا أن يلوم العالم أنه لم يصغي إليه، وتركه وحيدًا، وباقي شكايات قليلي الحيلة! قبل أن يسارعوا إلى النوم بعد لطمهم.

في هذا الإطار عليه أن يتعلم الدرس مما يحدث حوله، هو الأحوج بالتلمذة على عالم السياسة اليوم، من الانتفاخ المقزز وهو ينصب نفسه أستاذًا للعالم ينتظر منهم التلمذة وهو يعيش بالإيجار في كهف يملكه أحد تلاميذه المفترضين!