ابن برجّان (٥٣٦هـ) ومعرفته بتاريخ فتح القدس سنة ٥٨٣هـ
لم يكف بسام جرار عن ذكر ابن برجان فيمن استعملوا الإعجاز العددي للوصول لنبوءات معينة على غرار ما يفعله هو، قال جرار:
“سبق في التاريخ للمفسّر الأندلسي ابن برجان أن توقّع فتح بيت المقدس في رجب من العام 583هـ، وتوفي رحمه الله قبل تحقق ما توقّعه، وكانت المفاجأة للمعاصرين أنه تمّ الأمر كما توقّع”[١]
فهل صحيح أن ابن برجان شيخ الصوفية حدد هذا التاريخ، إن أنصار هذا القول سبقوا إلى موقع (ويكيبيديا) ليسجلوا نص كلام ابن برجان المزعوم، فجاء فيها في خانة [الإعجاز العددي] أنه قال:
“أديلوا [الروم] بغلبة ثانية عام تسع وثمانين وأربعماية فغلبوا على أرض الشام كلها وعلى بيت المقدس وذلك عند آخر السنة السادسة التي هي من ألف شهر ومن شهور العرب تصديقا لقوله في بضع سنين التي سادس أيامها رأس الخمس مائة سنة إلى تمام الخمسمائة وثلاث وثمانين وثلث السنة تمام سنينها ونحن في عام اثنين وعشرين وخمس مائة”.
فنصه: “تمام الخمسمائة وثلاث وثمانين”، وغالبًا ما كان هذا النص مأخوذًا بواسطة كتاب: (دليل المرابطين)[٢].
وقد أشاع المتصوفة ذكر النبوءة بعد ابن برجان، وإن تشكك بها بعض السابقين، قال ابن خلكان ٦٨١هـ: “لم أزل أتطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة، لكن كان هذا الفصل مكتوبًا في الحاشية بخط غير الأصل، ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق به”[٣].
فكان هناك تشكك بتعديل النسخة حتى يظهر أنها نبوءة، حتى وصلت إلى السخاوي ٦٤٣هـ، فقال: “وقع في تفسير أبي الحكم الأندلسي-يعني ابن برجان-في أول سورة الروم أخبار عن فتح بيت المقدس، وأنه ينزع من أيدي النصارى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة” [٤]، ولمز السخاوي طريقة ابن برجان فقال: “بنى الامر على التاريخ كما يفعل المنجمون” [٥].
لكن تبقى الشبهة معلقة بتعديل التاريخ المذكور في بعض النسخ ليوافق فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي، الذي قرب الصوفية، والذين كانوا يتقربون إليه بمثل هذا، حتى طبع تفسير ابن برجان، بتحقيق أحمد فريد المزيدي، وليس فيه ذلك الموضع، بل فيه:
“أديلوا [الروم] بغلبة ثانية عام تسع وثمانين وأربعمائة فغلبوا على أرض الشام كلها وعلى بيت المقدس وذلك عند آخر السنة السادسة التي هي من ألف شهر ومن شهور العرب تصديقًا لقوله في بضع سنين التي سادس أيامها رأس الخمس مائة سنة إلى تمام الخمسمائة وثلاث ومائتين سنة، وثلاث سنة تمام سنينها ونحن في عام اثنين وعشرين وخمس مائة”[٦]
فنصه: “تمام الخمسمائة وثلاث ومائتين سنة” وليس ٥٨٣. وهذه صورتها في المخطوط [مخطوط بالمكتبة الوطنية الألمانية ميونخ، مجموع المخطوطات العربية رقم ٨٣]
رسمت:
“تمام الخمسمايه وثلث وماتين سنه” [٧] ولا تحتمل قراءتها بثمانين.
لذا حققها آخر وهو محمد العدلوني الإدريسي، فقرأها:
“تمام الخمسمائة وثلاث ومائتين سنة” [٨].
وفي الطبعة من تحقيق فاتح حسني:
“في الأصل: ثم إلى تمام الخمسمائة وتلت ومأتين سنة” وترك هذا واعتبره تصحيفًا، لصالح قصة النبوءة!
ويبقى الموضع يحتمل أنه جرى عليه تعديل في بعض النسخ حتى يصبح موافقًا لتاريخ فتحها زمن صلاح الدين، وتوافق ذلك مع أسلوب ابن برجان الغامض.
[١] لقاء مع بسام جرار، صحيفة نيسان ١٠-١-٢٠١٦. [٢]انظر: دليل المرابطين، محمد النوباني-موسى الحداد، الطبعة الأولى: ٢٠١٢م، ص٢٣٦. [٣] وفيات الأعيان، ج٤، ص٢٣٠. [٤] بواسطة البداية والنهاية، ابن كثير، ج١٢، ص٣٩٨. [٥] بواسطة البداية والنهاية، ابن كثير، ج١٢، ص٣٩٨. [٦] تفسير ابن برجان، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: ٢٠١٣م، ج٤، ص٣٢٥. [٧] مخطوط ميونخ، BSB Cod.arab. 83. [٨] نصوص من التراث الصوفي، تقديم وتحقيق: محمد العدلوني الإدريسي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى: ٢٠٠٨م، ص٧٨.