هذا التصور يظهر السذاجة التي يفكر فيها بعض الناس حين يريدون السياسي مفتيًا فقيها، والفقيه سياسيًا، ويوزعون نقدهم في هذا الإطار إن لم يحصل تماه كبير بين المرتبتين، وهذا كلام لا يستحضر العصر الذي هم فيه، ويحاولون إسقاط عصور سابقة بظروف غير هذه الظروف، ففي السابق لم تكن الدعاية والرأي العام في أوج نشاطها مثل اليوم، بل لم ينظر الذين يعيشون في دولة معينة جميعًا إلى أنفسهم على أنهم مواطنون، أي إن لهم شأنًا سياسًا في الدولة.
كان هناك العبيد، وكانت النساء بعيدة عن الممارسة السياسية في الغالب، وهذا ملاحظ حتى في أوائل القرن العشرين، حين كانت المجتمعات الفلاحية وشبه الفلاحية مناطق منعزلة عن التواصل مع نفسها فضلًا عن العالم الخارجي، وكان مستوى التعليم متدنيًا، هذا يختلف عن عصر تتسارع فيه وكالات الأنباء وشبكات التواصل في نقل مقطع أو صورة، والتعليق عليه، وتصبح كل كلمة للسياسي حملًا كبيرًا على صورة حزب، أو دولة، أو تجمع سياسي، وبالتالي فإن السياسيين كلما أعطوا مساحة أكبر للحديث فيها كانت أخطاؤهم أكثر، وكان استعمال تلك الكلمات ضدهم أكبر من شيخ أو روائي أو فيلسوف.