العقل الِحجاجي!
لعل من أهم ما تم توارثه بين الناس، هو العقل الحِجاجي، الذي يظهر كل حين في تصريحات رسمية، إلى كتابات لمثقفين، إلى الحديث المتداول في الشارع، وفي الأسر على نحو ضيّق.
العقل الحجاجي الذي ينفر عن منهج ورؤية بقدر إلجام المخالفين من الخصوم، الحقيقيين، أو الذي قد يضحون يومًا منهم، فالمهم هو إسكات الخصم، وإن لم يقدم إلى الأمام خطوة واحدة.
فإذا جرى الحديث عن التقدم العلمي، أو المؤسساتي، قفز أحد الجالسين واضعًا رجلًا على رجل ليقول: وماذا عن تاريخهم الأغبر! إن جرى الحديث عن وضعية حقوق الإنسان في دولة قفز الشخص نفسه ليقول: لا تعايرني ولا أعايرك، اللي طايلني طايلك!
هذه الإجابات لا يعجز عنها من يقيم في قفر ويعلنها دولة، أو سجان يمارس أشد أنواع التسلط والقهر، فتشعره بنوع انتصار بين المصفقين له، نحن انتصرنا عليهم بالحجة! حتى ولو كان خصمه عمليًا لا يدري به، أو ينهب بلاده وثرواته ويصادر سياسته وهو جالس ينخزه بتلك الكلمات.
من تربية الأسرة: ماذا سيقول الناس عنا، إلى إدانة بعض الخطابات بحجة [تشويه] سمعتنا! كلها تدور في الفلك ذاته، وعلى سيرة تشويه السمعة، فإن أخس فكرة يمكنك أن تجمل سمعتها: كأن يعمل عابدو إطارات السيارات في العمل الخيري والتطوعي، فهل تحسين السمعة يعني أن تلك الخرافة بنفسها ينبغي السكوت عنها كونها لم تشوّه سمعة أصحابها!
فيغدو البحث بدل التدقيق في الأفكار نفسها بحثًا فيما تخلفه من أثر على السامعين من انطباع جيّد أو سيء، وبهذا فما يجمّل صورتنا نصفق له ولو كان يمارس أبعد أنواع الظلامية والتخلف! هذه الطريقة تخلّف قطاعات واسعة راضية عن نفسها، وكل تصويب أو نقد يوجه إليها تقلبه على خصمها دون أي بحث جاد في طبيعة تلك الانتقادات.