أن تكتب
هو أن تفهم حرمانًا من المعرفة لسع جيلك، فترفض أن تنتقل العدوى إلى جيلٍ آخر، ليست الكتابة الحقّة من جنس نزعة قديمة حرص أهلها على إبهار الناس لحثهم على التهام سطورهم، فوصفوا لهم أعاجيب زعموا ملاقاتها، من لساعي الصحراء حتى غيلان الغابات.
كانوا وهم يكسبون قرّاءهم يعيقونهم لأجيال، يخوِّفونهم عن منافستهم، يوحشون لهم الدرب، ويرمون تحت خطاهم الشوك، الكتابة الحقّة فعل رافض لهذا، فهي عمل تلفه المسؤولية لا يتعلّق بمبدأ اللذة، كما يتمسك به بعض أدباء، بقدر السعي إلى الاقتراب من وهَج الحقيقة.
والاقتراب منها وإن كان يطرب حينًا إلا أنه بشع، كريه، أحيانًا، فكم من متلذذ بالنظر إلى الجثث والأشلاء؟ فكيف بتشريحها؟ وذلك الذي أنتج الطب الحديث، فكم قيل في العلم بأنه يضحك قليلًا، وفي الحكمة أنها مبعثُ الأحزان.
الكتابة الحقّة تلك التي لا تهتم بالرأي العام، وإلا بقيت محافظة تردد ما يطلبه المستمعون، لكنها ترتبط بالأدلة، لتشكّل الأفهام، وتخترق القرائح، وترفض ما سبق من حرمان.