في المقدّمات
يغلب على الخطابات الراديكالية الابتداء بالحديث عن كارثة عظمى تنتظر الجميع، باللعب على وتر الخوف من مفردات مثل: الكارثة، الأشباح، الهاوية، هذا الخوف يجذب المستمعين دومًا، ويعمل بكفاءة وفق آليات نفسية.
أنت حين يخبرك رجل عن مصيبة عظمى، تكاد تسلّم له مقدّمًا بما سيقوله لاحقًا، فتركيزك انصب على المصيبة، لا الحلول، فأي أطروحة للنجاة ستكون بعيدة عن النقد بقدر التركيز على الخطر الداهم الذي يتحدث عنه. -إننا نغرق! تستثير غريزة البقاء سريعًا متى كنت في البحر، وعادة ما يجري الحديث كمثال على هذا عن الصيغة الأدبية التي استعملت في أول افتتاح للبيان الشيوعي ١٨٤٨ على سبيل المثال:
“إن شبحًا يرعب أوروبا هو شبح الشيوعية” [١]
إن استحضار الحديث عن الشبح في أول كلمة يدفع إلى الانجذاب نحو المحتوى سريعًا، البداية بالحديث عن الكارثة كانت أول افتتاح لكازنيسكي المسمى بـ"مفجر الجامعات":
“كانت الثورة الصناعية ونتائجها كارثة بالنسبة للمجتمع البشري” [٢]
هذه المقدّمة متى تم تسليمها سهُل التعامل مع ما بعدها الأمر يشبه تتابع أحجار دومينو مصفوفة في السقوط، فهي المقدمة الأكبر التي تدفع إلى التسليم بما بعدها.
تعرض نيتشه لتفكيك خطاب رجال الكنيسة على سبيل المثال ورأى أن أهم مقدمة لهم التركيز على مآسي النفس البشرية: أنت كائن تعيس، تعيش حطامًا، تملؤك الخطايا، فمتى جرى تسليم هذا من المستمع سيكون متقبلًا لأي حلول للخلاص!
وفي الأدبيات المكتوبة بالعربية استعملت هذه التقنية؛ بالبدء بكارثة عظمى، كتب سيد قطب في أول كلمة لكتابه (المعالم):
“تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية” [٣].
ليس الحديث هنا عن تقييم أي محتوى، بقدر التنبيه على الدلالات التي تحويها الكلمات الافتتاحية، في تأثيرها النفسي على القارئ.
مودتي ——————— [١] البيان الشيوعي، ماركس-إنجلز، ترجمة: العفيف الأخضر، دار الجمل، ٢٠١٥، ص٤١. [٢] المجتمع الصناعي ومستقبله، تيد كازنيسكي، ترجمة: رقية الكمالي، منشورات تكوين، ص٢٣. [٣] معالم في الطريق، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، الطبعة السادسة، ١٩٧٩م، ص٣.