البراغماتية/ الأخلاق

هناك نقاش يطل كل حين حينما يتعلق الأمر بحال السجون، وخصوصًا بين العديد من العرب، يتحول النقاش إلى ما يشبه تمايزًا [أخلاقيًا]، لا لا يوجد عندكم مثلنا، لا يوجد قانون يسمح بالإعدام، السجين قد يزور أهله عندكم ونحو هذا!

تجد هذا منتشرًا حتى بين فئات مثقفة، ويتحول النقاش إلى منح ميزات أخلاقية في غير موضعها! فالواقع غير ذلك أبدًا، فليست الحكاية أخلاقية كما يصورها أو يتصورها هؤلاء، بل تتبع النتائج العملية، أنت أمام [براجماتية] ليس في حسابها [الأخلاق]، وتشريح المسألة يكون بإدراك الفرق بين مجابهة مؤسسة حديثة، وبين مجابهة مع أفراد لا يعملون وفق منطق المؤسسات الحديثة.

بداية عن إلغاء قانون الإعدام، ويقصد به في [القضاء] وإلا ففي الممارسات العسكرية على الأرض قوانين أخرى!

فبخصوص الأحكام القضائية فإنه مرتبط بعشرات الجزئيات التي قد تغيب عن الأذهان، ومنها، تلميع صورة القضاء عالميًا، بأنه مبني على أسس حديثة، كذلك التلويح بالجزرة لمن يعانون من شظف التتبع، لم لا تستأسر؟ لا خوف على حياتك حينها، هذا كان له دور فعّال في التاريخ والحاضر في كسر الجبهات المعادية.

كما أن هذا يضمن إبقاء سيل المعلومات متدفقًا، فالتحقيقات تشكل نظريات عن الأطراف المعادية بصورة أكبر غالبًا عما تعرفه عناصر تلك الأطراف عن تاريخها وقيادتها، إنه مرتبط كذلك بالسياسة الخارجية بمنع [حق اللجوء] لمن هو على قائمة التتبع= لا خوف على حياتك، إذن لا مسوّغ لوجودك بحماية دولة في الخارج.

قائمة طويلة لا تتكشف إلا لمن أدراك العلاقات المؤسسية الحديثة، كجعل السجين: مادة للدراسات العينية، وهذا لا يتعلق بملف واحد، فتجده ينفتح على المؤسسة التعليمية في دراسات متنوعة، بتمكين الباحثين لديه من تراخيص لمقابلة من يشاءون، دراسات متنوعة؛ سياسية، أمنية، وحتى ثقافية وفكرية، كلها تتحول إلى مواد تعمل عليها: الدعاية، والعلوم السياسية، علم النفس، والوحدات العسكرية، حتى الاقتصادية المتعلقة بالأمن! فيبيعون معلومات، ويجعلون بعضها هدايا دوبلماسية، عربونات أو تطبيق للتبادل المعلوماتي مع الدول المختلفة في العالم.

ومع نظام مستقر يضمن الاحتفاظ بالمعتقلين عنده عقودًا فإنه يجرد جمهور تلك العناصر من أية فاعلية حقيقية، فواحد اعتقل أيام الاتحاد السوفييتي ويخرج اليوم ما الذي بقي من كفاءاته؟ على طول السنوات تلك تم الحرص على ترويض نفسية وأفكار المعتقل، وبهندسة معقدة تضمن تدرج المكافأة والمعاقبة.

ففي الوضع التقليدي لم يكن هناك من سبل للمناورة كبيرة، بخلاف هذا النظام إنه يبقي الأمل لدى أشد المعادين بالنجاة بتحسين ظروفه، وهذا مدخل هائل لمساومته [ابتزازه] كل حين.

فلما يجري تقييم مثل هذا النظام، يكون وفق نتائجه العملية، فذا مدمر أكثر لمن يراهم أعداء له، أو لا يفعل، أما النقاش الأخلاقي فهو أمر فظيع لا أراه يرقى لملامسة المسألة.