في فنّ نشر الخرافة!

كان مؤلف كتاب (المهدي المنتظر) أحد دعاة [حزب التحرير] وفي يوم من الأيام انشق عنهم، ووجد السبيل في مخالفتهم: إنه الإمام المنتظر، وفي غمرة البحث عن مراجع وجد الجفر المنسوب إلى علي بن أبي طالب، وقد قال منبهًا:

إنه لا يأخذ من الجفر روايات “إلا للاستئناس بها، لا كدليل من رأسها، شريطة أن تكون مما يوافق الكتاب أو السنة، أو لم يعارضهما، ومما لا يستحيل عقلا وقوعه، ومطابقته للواقع” [1]

ومن تلك النصوص اللافتة:

“ينذرهم المهدي سلاحًا اسمه الصارخ، له صوت زلزال”

إنه يتحدث عن الصواريخ، علق المؤلف: إن هذا لا يمكن أن يعرف “قبل أربعة عشر قرنًا، إلا أن يكون قد أخذ من مشكاة النبوة” [1].

ومن تلك الروايات: “ينزل المهدي بلاد الأمريك”

فعلّق: “هذا النص يتحدث صراحة عن أمريكا الولايات المتحدة الأمريكية… مما يدل قطعًا على أنه كلام نبي أعطي للإمام عليّ رضي الله عنه، وإلا كيف علمه ولا يعلم الغيب إلا الله؟!!!” [2]، وعلامات التعجب منه.

نصوص كثيرة تتحدث عن أحداث متنوعة مثل: الحكام العرب، حتى تكاد تنطق بأسمائهم: “لو شئت لسميتهم باسمائهم وآل فلان وآل النون وآل العود، والمتبرك والمتعرف… في زمنهم يضيع المسجد الأقصى”، ولم يفت الشراح أن يعرفوا أنه يقصد: آل سعود، وحسني مبارك، وياسر عرفات.

إلى روايات عن أطفال الحجارة، وكندا ونحوها، يا لله كم كان الجفر حاويًا للعلوم!

الحقيقة أن كل ما سبق خرافة، والمؤلف مردد للخرافات ومصدّق بها لا أكثر، فكتاب الجفر ظهر قديمًا في الكوفة وحوى روايات موضوعة على جعفر بن محمد بن علي، وكان فيه نيل من أبي بكر وعمر، وبعض التنبؤات، وهو مجموع من كلام رجل يدعى المغيرة بن سعيد: حذر منه أبو جعفر/محمد بن علي، وابنه، ثم انقرض هذا الكتاب ولا يعرف له خبر.

ثم نشأت عندنا مجموعة لا تكاد تحصر من الكتب التي تسمى بالجفر، هذه الكتب نسبت إلى جعفر، واختلفت موضوعاتها فحوى العديد منها تنجيمًا متأثرًا ببطليموس، وبعض الطلاسم، وهكذا.

ولما كانت هذه الكتب تنسب إلى جعفر الصادق، فهذا يعني أنها تنسب إلى علي عند كثير من الشيعة، من باب أن الذرية ورثت علم الآباء!

لكن من أين جاء التلميح إلى مبارك وعرفات، والتصريح بأمريكا؟

الواقع أن كل هذه الروايات عن المتعرف، وبلاد الأمريك، وكندا وأطفال الحجارة من دجّال يدعى: محمد عيسى داود من مواليد 1957م، ألف كتبًا عديدة في نظرية المؤامرة وتلمس الخفايا، ومحاورة الجن، ومن بينها كتابه:

(المفاجأة بشراك يا قدس)!

في هذا الكتاب قال: “وجدت في الجفر” وذكر كل النصوص السابقة، ثم جاء رجل اسمه علي عاشور العاملي، وجمع كتابًا بعنوان (ماذا قال عليّ عليه السلام عن آخر الزمان؟) ثم طبع الكتاب بعنوان: (جفر الإمام علي)! ونقل فيه كل ما سبق عن “أمريك”، و"الصارخ" و"آل العود، والمتبرك، والمتعرف"! عن كتاب الأستاذ المصري محمد عيسى داود!

وهكذا صار الإمام علي مشاركًا في الحياة السياسية في القرن 20، ومحمد عيسى داود، يجري التعريف به اليوم على العديد من القنوات المصرية بأنه: “المتخصص في شؤون الأمن القومي والخبير الاستراتيجي”!

*الصورة لمحمد عيسى داود.


[1] المهدي المنتظر، محمد شويكي، الطبعة الأولى: 2007م، ص179. [2] المهدي المنتظر، محمد شويكي، الطبعة الأولى: 2007م، ص180.