الألباني بين طريقتين [٥]
من أشهر المسائل البحثية التي تعتني بها (السلفية) مسائل الصفات، ويصور بعض المتعصبين للألباني أن عقيدة الألباني عقيدة السلف، مع تقبل الإحالة إلى ابن تيمية، ابن القيم، الدارمي، الحربي، أحمد!
الواقع أن الألباني غير هؤلاء، خذ واحدة من أشهر المسائل، كتابا عثمان بن سعيد الدارمي (٢٨٠هـ)، هما كتابان أحال إليهما ابن تيمية دومًا، واعتبر أن ما فيهما تقرير للكتاب والسنة، بفهم السلف.
والدارمي هو الذي قال فيه الكوثري: “مجسم … يصرح بإثبات القيام والقعود والحركة” فقامت القيامة عليه!
ولذا كتب عبد الرزاق حمزة: “امتعض الكوثري امتعاضاً لم يستطع كتمانه من ظهور كتاب “النقض” على بشر المريسي للامام عثمان بن سعيد الدارمي، وكتاب “السنة” لامام أهل السنة الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبد الله الشيباني، رواية ابنه عبد الله عنه، مغتاظاً مما فيهما من إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي عدها سلفه الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم ومن اتبعِ خطواتهما، تجسيماً وتشبيهاً بزعمهم الفاسد”
ورد على الكوثري المعلمي اليماني، في (التنكيل) فقال: “كان الدارمي من أئمة السنة الذين يصدقون الله تعالى في كل ما أخبر به عن نفسه ويصدقون رسوله في كل ما أخبر به عن ربه يدون تكييف ومع إثبات انه سبحانه ليس كمثله شيء، وذلك الإيمان وإن سماه المكذبون جهلاً وتجسيماً”
لكن كان للألباني دومًا رأي آخر في الدارمي؟ بكل وضوح، قال في (التعليق على التنكيل):
“يبدو من كتابه “الرد على المريسي” أنه مغال في الإثبات فقد ذكر فيه ما عزاه الكوثري إليه [أي: إلى الدارامي] من القعود والحركة والثقل ونحوه، وذلك مما لم يرد به حديث صحيح”
إلى أي درجة كان هذا احتكامًا لأبجديات الكوثري؟ كان يقرأ الدارمي بعيون الرجل، ولذا اتكأ على هذه الكلمة العديد ممن يخالفون ابن تيمية والدارمي! ما معنى مغال في الإثبات=مجسم بصريح العبارة! دون تخفيف لحدتها، ومع أنه يفترض أن يتمسك بالحديث فقط في النفي والإثبات إلا أنه لم يكن يجد غضاضة من القول:
“الله ليس جسماً، حاشا لله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”[١]
مع أن ابن تيمية يقول: “لفظ التجسيم لفظ مجمل لا أصل له في الشرع، فنفيه وإثباته يفتقر إلى تفصيل ودليل” [٢]
هذه يعتبرها بعض الناس مجرد زلات لا داع لنبشها، على أنها في الواقع صارت مواضع يحتكم إليها العديد من أنصاره، على سبيل المثال (ذم التجسيم) لعلي الحلبي، والذي تعود مقرراته فيه إلى ما وصفه ابن تيمية بالتجهم في العديد من المواضع.
————— [١] دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، درس رقم ٤٦، ص٥. [٢] مجموع الفتاوى، ج٥، ص٣٠٧.