الألباني بين طريقتين [٤]
كانت فكرة الاتباع أهم ميزة دعا إليها الألباني، في وجه من يتمسك بقول فقيه كل حين، وهي فكرة سديدة ما دامت تحتكم إلى [أصول الفقه] من مؤهل، أي معرفة الأدلة، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
وقد كان الألباني يحاجج بنقول عن الأربعة بعدم تقليدهم، ويقول الفرق بينه وبين مخالفيه أنه يجعل التقليد للضرورة، وهم جعلوه أصلًا، ولو سألنا كيف عُلم هذا، لاحتج أنصاره بحال من أقيمت عليه الحُجة، بالأدلة، رغم ذلك فثبوت الحديث له طرق محل نقاش [وتتنازع فيه أنظار العلماء أنفسهم] والمسائل الفقهية أدلتها أوسع من ثبوت الحديث، فهي تشمل الإجماع والقياس مثلًا.
لو نظرنا في كتب كثير ممن استمد من الألباني لوجدنا أنهم حاكوه، قلدوه، ولوجدنا أن له ميلًا إلى [الإحكام] لابن حزم، وهو الذي كان ينصح به، وكل هذا معترك نقاش، ويشمله خلاف الجمهور مع مقررات ابن حزم العديدة.
على سبيل المثال مسألة نفي التحسين والتقبيح العقليين التي قال بها الألباني، وتبعه عليها عديدون كعلي الحلبي، من مادة الإحكام لابن حزم، ومن الشاطبي، فهم وإن حسبوا أنفسهم لا يقلدون إلا أنهم قلدوا هذين الرجلين فيهما، والمسألة وأدلتها مظانها في غير كتب ابن حزم والشاطبي.
أفهم أن يقال هذا في بحث وتناقش فصواب أو خطأ، لكنها قدمت كلها على أنها [مادة دعوة] إلى السلفية، والطريف أن تجد يعيب على الأشعرية نفي التحسين والتقبيح العقلي، وهو نفسه يلتمس آلاف الأعذار للألباني فيها: لم تفهموه، لم يقصد، مع أنها عين المقالة!
نحن هنا أمام تقليد، بكل مقوماته، هذا التقليد الذي جرى مصادمة عامي لا يعرف مأخذ الشافعي في مسألة، فقالوا له أنت مقلد! لا تعرف الدليل كيف تقول بهذا إذن، ثم ينبغي على الأخ هذا أن يحتكم إلى السنة، وفق اختيار محدد، كما يراه الألباني مثلا من سماع حماد بن سلمة من عطاء بن السائب هل هو قبل الاختلاط أم بعده!