الألباني بين طريقتين [٢]
هناك مقالات كثيرة يقال بها في الاعتذار كل حين لا تدري ما مستندها، على سبيل المثال: لعل الألباني سبق بعشرين سنة في الجنة، كأن هذا حجة صالحة لمنع النقد، وهي الكلمة التي رويت عن ابن معين حين قال: “إنا لَنَطْعَنُ على أقوامٍ لعلَّهم قد حَطُّوا رِحالَهُمْ في الجنة منذ أكثَرَ من مِئَتَيْ سَنَةٍ”، ولاحظ أنه لم يجعل ذا مانعًا من (الطعن) فكيف بما لا يحوم حوله بل لا يعنيه أصلًا، ولا شهادة على أحد من أهل القبلة بجنة أو نار، إنما هو رجاء الرحمة له فقط.
هل منع مثل هذا تقييم الرواة والمحدثين؟ حتمًا لا، فكيف بتقييم الأقوال، والسلوك الذي ينبغي تنبيه الناس إليه كائنًا من كان قائله، أما امتحان الناس بشخصية، وآرائها، وجعلها كأنها الدين فليس ذا بشيء.
الواقع أن هناك مقالات حكم بعض الناس من المنتسبين إلى الألباني وكأنه يجب وأدها، لهم ذلك: لكنها مسطورة في كتبه، مذاعة على الناس، يكررها المنتسبون إليه، فما قرره قوم، لغيرهم ألا يلتزم به، ولا يحسبن هؤلاء أن لهم ما يجبر غيرهم على اعتبارهم وسيطًا بين المرء والكتب، أو المقالات، فيبقى تقريرهم: تابع لمن تحزب لهم فحسب.
يأتيك من يقول الألباني بين الأجر والأجرين، وهذا من عجائب الزمن، إذ إن الاجتهاد حتى مع توفره في أهلية القائل، لا يمكن التحقق بأن صاحبه في كل مقالة بين أجر وأجرين، فهذا من القطع على الله بالوعد للمعيّن، وكذلك لا قطع بالوعيد، إنما ينبغي على المعتذر عنه أن يقول: نرجو أن يكون في الخطأ قد نال به أجرًا، في أحسن الأحوال.
وكل هذا في الحكم الآخروي، الذي لا نملك ما يجعلنا فيه متقولين على الله، وإنما الحديث في الدنيا عن صواب وخطأ، وصحة وبطلان.
هناك من يفتقدون اللباقة، فيقول لك: متى ستتعرض بالنقد لفلان وفلان يسميهم، كأنه في موضع يسمح له أن يفاوض على مثل هذا، صديقي هوّن عليه، أنت لا تملك إلا أن تعبر عن رأيك في أحسن الأحوال دون الإملاء على أحد.
وعندنا أخيرًا: قطاع من العوام الذين يحسبون أن مثل هذه المسائل تسويق لبضاعة، فيهدد بانسحابه، وإلغاء متابعته، وهذا تابع لقراره، فمتى رأى أن الحديث عن الألباني لا يمكنه التصبّر عليه، فيمكنه استعمال إلغاء المتابعة: وهو مجاني كما قلت سابقًا، فالصفحة غير ممولة، ولا طلبت منك متابعتها، ولا طلبت من أحد أن يشاركها، فيبقى هذا قرارك الشخصي الذي ينبغي ألا تحسبه ورقة تفاوضية!