الألباني بين طريقتين
حينما يأتي من يقول: لم يدخل الألباني باب علم إلا أفسده، هذا تجن على الرجل، لكن مع ذلك لما تستحضر عشرات من المغالطات لإبقاء كلامه دون نقد فهو يظهر قومًا أرادوا إعطاء قدسية لشخص في غير موضعها.
حينما كتب الألباني جزء حديثيًا [صفة صلاة النبي] كان قد تعرض بالتبديع لمسألة في مذهب أحمد بن حنبل، هل سئل عن نيته؟ لا يساءل من ناقد، لأن المسألة ليست من العبادات التي يلزم منها تصحيح النية، والكلام يدور بين صواب وخطأ.
هناك أقوام غطوا شبقهم بالتقليد بحجة رفض التقليد، والدليل على ذلك أنك لا تجد لهم انفعالًا إلا حين تسمية معظّم عندهم، إنه تندر بمقالات أضفت العصمة على معظميها، ثم الوقوع بالسلوك نفسه، دون تسميته باسمه: تقليد، إضفاء عصمة.
الألباني كان مؤلفًا أفاد في مواضع، وأصاب وأخطأ، كغيره بل غيره ممن يفوقه علمًا مواضع صوابه ودقته أكبر وأكثر، لكن أن تطالب خصومك بتخطيء أحمد والشافعي بحجة أن الألباني صحح حديثًا بخلافهما، مع أنه قد يكون منزع الفقه قياس على حديث آخر، أو مرسل قد اعتضد بعمل للصحابة كما هو مذهب الشافعي، ونحو ذلك، فترى أن مخالفيك مقلدون، دونك! لهي القسمة الضيزى بعينها.
إن أي نقد لمن أفضى لما قدم لا يبحث طويلًا في القائل، إنما فيما قاله إذ الأقوال لا تموت بموت أصحابها، أولئك الأتباع الذين يرفضون التعرض لنقائصهم باختراع كمالات مزعومة لمن ينتسبون إليهم، فإن كان أنفك يحمر حرصًا على السُنة، فهي التي لا تزيد ولا تنقص بالألباني أو غيره من أهل القرون المتأخرة.
أما قضية الأدب فما هي عندكم إن قصدتم ما شرعه الإسلام نفسه، فهذا مسلم، أما إضفاء طابع صوفي خاص، وترديد مقالات بلا زمام ولا خطاب مثل قول ابن عساكر: “لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة” فهذا منتقد، بل لا دليل عليه، فعرض المسلم على المسلم حرام في كل حال، كان عالمًا أو عاميًا، أما عن عادة الله، فإن قصد الواقع فهذه الصورة من النهايات السعيدة في الدنيا غير مسلمة، وإلا لما كان هناك آخرة: يأتي فيها النبي معه الرجل والرجلان، وآخر وليس معه أحد.
وقد يقتل كافرٌ عالمًا مسلمًا، ويموت قرير العين في داره، ولذا حين تعرض ابن حزم لهذا قال بأنه لا تزال طائفة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة، قرر أن هذا بظهور الحجة الحق وأدلتها، لا يلزم من هذا الانتصار كل حين أو هتك ستر منتقصهم ونحو ذلك.