حول رسالة:(التجريد العقلي وعلاقته بالحس) للدعجاني (٣)

هل فهم الدعجاني كانط، وهو الذي يدعو إلى تصحيح نظرته في المعرفة من سنوات؟

يسلم الدعجاني أن نظرية كانط في المعرفة: “تتطابق رؤيته مع الرؤية الإسلامية” [١]

حسن، أين يختلف مع كانط؟

يحسب أنه في “الجانب الوجودي (الأنطلوجي)، وفيها تناقض رؤيته كليًا مع أصول المعرفة الإسلامية، إذ يقرر فيها استحالة مجاوزة الظواهر المحسوسة وإثبات الغيوب (الميتافيزيقا) عن طريق العقل، فالعقل لا يمكنه تجاوز المحسوس في استدلاله” [٢]

👈وهذا غلط، فليس هذا مبحثًا وجوديًا (أنطلوجي) بل هذا في صميم (نظرية المعرفة) فقدرة العقل على المعرفة، والقدرة على الإثبات، من مسائل (نظرية المعرفة) لا (الأنطلوجيا)، فهي من صميم ما اعترف به الدعجاني أنه إسلامي.

👈فهل كان كانط يقول في الجانب الأنطلوجيا بالمادية؟ حتمًا لا، هل يقول إن الله والنفس وحرية الإرادة هي غير موجودة؟ حتما لا بل يسلم بها، لكنه يبحث هل يمكن في نظرية المعرفة أن نعرفها، وأن نستدل لإثباتها، لكن الدعجاني، لا يعرف أين يكمن الموضع الذي يسد عليه ذلك الإثبات، الذي اعتبر جزءًا من منجزات كانط، في نظرية المعرفة، التي سلمها له.

قال الدعجاني عن كانط:

“المراد بالقبلية عند كانط: إمكانية استقلال العقل بمفاهيمه الخاصة به عن الحس بحيث يكون مستعد قبلًا لتلقي تلك المعطيات الحسية، لتنظيمها وتعميمها وتجريدها والحكم عليها، فتلك الاستعدادات الذهنية: لملكة الفهم وما ينتج عنها من مفاهيم، لا وجود لها في الخبرة الحسية، كمفاهيم الكلية الضرورية، مثل مبدأ السببية” [٣]

لنأخذ قضية السببية عند كانط، أي القول إن: لكل حادث من محدث، فهذه مبنية على مفهوم الحادث، وبالتالي فهي ليست قبلية محضة عند كانط، ولذا يقول: “القضية القائلة لكل تغير سببه، إنها قضية قبلية، لكنها ليست محضة، لأن التغير مفهوم لا يمكن أن يكتسب إلا من التجربة” [٤]

وهذا التحليل لهذه المبدأ، جعله يرفض استعماله للوصول إلى الله باعتبار أن الإله [ليس من موضوعات تجربة ممكنة] لأن هذا الدليل قائم على التجربة في شق أساسي منه.

فليس هذا كالمدرسية أو علم الكلام المستمد من أرسطو الذي تعامل مع هذه القضية كأنها قضية محضة دون مفهوم تجريبي في مضمونها، وبالتالي كان كانط ينقد هذا الدليل اللاهوتي في الاستدلال على الله.

فمن سلم نظريته في المعرفة باعتبارها إسلامية يفترض أن يسلم له في هذا، لكن الدعجاني لم يعرف أصلًا أن كانط ثائر على اعتبارات الأرسطية في المعرفة، واستنباطات تلك الأدلة فيما كان يسمى بالمدرسية. ———————————- [١] التجريد العقلي وعلاقته بالحس، عبد الله بن نافع الدعجاني، مجلة العلوم الإسلامية-العراق، العدد: ٢٥، ص٨٧. [٢] المصدر نفسه، ص٨٧. [٣]المصدر نفسه، ص٨٦. [٤] نقد العقل المحض، كانط، ترجمة: غانم هنا، ص٥٨.