حول رسالة:(التجريد العقلي وعلاقته بالحس) للدعجاني (١)
اطلعت على رسالة بعنوان:(التجريد العقلي وعلاقته بالحس) لعبد الله بن نافع الدعجاني، وكان همّه الكامن فيها قد عبّر عنه في أن يرد على “بعض الإسلاميين، الذين أرادوا الجمع بين أسس الفلسفة المادية وأسس المعرفة الإسلامية، فكان نتاجًا مشوّهًا توسعت دائرته حتى طبع ابن تيمية وهو من أئمة المسلمين في العلم بطابع حسي مادي، وذلك بناء على لاشتباه الحاصل في نصوصه، بين مصدرية الحس وبين شرطيته لعمل العقل، دون تأمل وتوقف في عظائم نتائج ذلك العبث وجرائره” [١]
لا يحتاج الأمر إلى كبير ذكاء لإدراك أن عبارات مثل (العبث) (مشوّه) لا تستعمل في مقام البحث المعرفي الجاد، لكن لنترك الجدية إذ لا يحتملها المقام هنا، وبما أنه فتح الأمر، فالأمر يدعو للسؤال عن ما مؤهلاته في الكتابة الفلسفية، فبعد سنوات من اعتبار نفسه مؤهلًا فيها، وهو الذي تؤرقه هذه المسألة إلى حد أنك لا تكاد تجد له أي شيء جديد، لا يفتح صفحة ولا يبث لقاء ولا ينشر ورقة دون انفعاله على (العبث) و(التشويه) الذين يلاصقان الفلسفة (المادية)، لكن لعله تدرّب قليلًا قبل أن يعاود الجولة، لتحسين أدائه.
نبدأ بما افتتح به مقاله، قال: “الحس كما أفاد ابن سينا يأخذ الصور عن المادة”[١]
هذا تابع لتصور أرسطو وجود مبدأ [الصور] في الواقع الخارجي، وهو مجرد وضع للـ [المثل الأفلاطونية] في الواقع، وهو مبدأ مثالي، مع ذلك ماذا قال عنه ابن تيمية؟ الذي يتمسح باسمه المؤلف.
قال: “أما أرسطو وأصحابه، كالفارابي وابن سينا…أثبتوها [أي معقولات خارج الذهن] مقارنة للأعيان، فجعلوا مع الأجسام المحسوسة جواهر معقولة كالمادة والصورة، وإذا حقق الأمر عليهم لم يوجد في الخارج إلا الجسم وأعراضه” [٢]
فابن تيمية يرفض مبدأ الصور في الخارج، والمادة بمفهومها الأرسطي، كونها [جواهر معقولة] في الخارج وهي الذي بنى عليه ابن سينا تصوره في المعرفة بانتزاع الصور الخارجية، باختصار: لم الزج باسم ابن تيمية هنا؟ اكتب عن ابن سينا، أرسطو، الفارابي، أما ابن تيمية!
فابن تيمية يقول لك إذا حقق الأمر عليهم لم يوجد في الخارج إلا الجسم وما يقوم به من أعراض! أوه= إنها اللعنة المادية، تأتي من كل جانب!
—————— [١] التجريد العقلي وعلاقته بالحس، عبد الله بن نافع الدعجاني، مجلة العلوم الإسلامية-العراق، العدد: ٢٥، ص٧٩. [٣] درء التعارض، ج٥، ١٧٣، ١٧٤.