شيء جيّد!
لا أخفيكم أن هذا الانجراف نحو الأشعرية في الأزهر، والتمسك بأهداب المنطق الأرسطي، وإحياء الجبرية باسم المؤسسة، الدعوة إلى إقصاء الطلبة المخالفين، كل هذا يدفع نحو تلوّن المؤسسة بلون معين محدد، لا يخاصم السلفيين فحسب، بل الكوكب الذي نحيا فيه في القرن ٢١.
إنه يكشف المآل الحقيقي لعشرات الخطابات التي تنطلق على ألسنتهم: الانحراف، والضلال، كلها أدوات [حرمان] لزيادة نفوذ هذا اللون الجبري، الأرسطي، هي معركتهم هم، في الدفاع عن مصالحهم ونفوذهم، التي يمكنهم ملاحظة أنهم يقدرون على استعمال كل الأدوات التي يقدرون عليها، ويمكننا بدورنا أن نلحظ أن التاريخ لا يساعدهم فيها.
ما يجري يدفع لمزيد من التمايز، بما يفوق تأثير عشرات الكتب المصنفة، يصبح حيًا مكشوفًا، لا يحتاج التأكيد عليه رفع صوت، بل النظر في الواقع لا أكثر، إنه لشيء جيّد أن تشاهد إعادة تجربة الكاثوليكية، فليكن إذن، فقد فرحت الكنيسة مرارًا، وهي تنتصر على خصومها، لكن كل الانتصارات الجزئية، كانت مادة للانتصار التام عليها في نهاية الأمر.
إن الكاثوليكية ارتبطت ارتباطًا لا فصام عنه مع الأمر الواقع في عصرها، مع البارونات، وانتصاراتها الجزئية كانت مهمة لخصومها: إنها فرصتهم لتخليص أنفسهم من الأفكار الغبية التي تعوقهم، من المواقف الانفعالية التي كانت تصب بالمجان منافعها في جيب الكنيسة، ليصبحوا أذكى، وأقدر على الرؤية، ليطوروا فكرهم وفلسفتهم بعيدًا عن الأرسطية.
كانت فرصة خصوم الكنيسة تتشكل في الناس، في أولئك الذين لا يمكن لمؤسسة القرون الوسطى أن تحتويهم، ولا أن تنفق عليهم، إنما تقدم لهم التسويغ للواقع الذي يحيون فيه، وتعطل ملكاتهم النقدية حتى حين، إن هذه الإعادة لهذه التجربة جيدة، لا يسعني فيها إلا أن أتمنى لها التمام حتى النضج.