“القول بعدم ثبوت ما أثبته العقل من غير انضمام التجربة إليه فلا شك في بطلانه لأن القوانين الرياضية والمنطقية عقلية بحتة وأن كانط نفسه معترف بتلك القوانين” [١]

هذا الاعتراض الذي يقدمه مصطفى صبري على كانط في نقده الأدلة اللاهوتية، مبني على عدم تصور الإشكال، فكانط لا يسلم بوجود معرفة دون تجربة، وإن كان يقول بأن هناك معرفة قبلية، لكنه يقول بأن المعرفة تبدأ مع التجربة لا عن التجربة.

بالنسبة للقول بأن العقل بتصوره يثبت شيئًا في الخارج بالاستشهاد بالرياضيات! فهذا غلط فالرياضيات تصور مسائل وإن لم يكن لها وجود في الخارج، وكذلك القوانين المنطقية فهي بنفسها لا تثبت موجودًا في الخارج، مهما كان تصوره، فالتصور الذهني لا يلزم منه معرفة بالوجود الخارجي، ففكرة الكمال مثلًا لا يلزم أن تكون في الخارج بمجرد تصورها في العقل.

ومتى سلّم بوجود عالم (مثالي) لا يتفق مع عالمنا (المادي)، فكيف له أن يحكم بأن قوانينه المنطقية التي تجري في رأسه موجودة بذلك العالم، ويجزم بأنها تنطبق عليها، قد يكون مثل الرياضيات، لكن قد لا يكون مثل متمسك النصارى في الثالوث فلا ضمان لهذا متى سلّم جدلًا بذلك العالم.

—————————— [١] موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: ١٤٠١هـ-١٩٨١م، ج٢، ص٢٣٠.