أنت علماني! أو متطرف؟
أحد الأغلاط الكبرى على صعيد محاكمة الأفكار تلك التي تنبه إليها ابن تيمية، في موازناته ومحاكماته لأفكار عصره، ويتمثل الغلط في إقامة النفي والإثبات على مصطلحات حادثة فيها حيز من التعميم والإجمال أحيانًا، مثل مصطلح الجسم، الحيز، الحشوية، ونحوها حتى صارت تلك الاصطلاحات معيارًا للتحاكم.
ولو عمم النفي لنفى حقًا ملازمًا لباطل، ولو عمم الإثبات لأثبت باطلًا إلى جانب الحق، ولذا رأى أن يستفصل عن المعنى، لا الدوران حول دكتاتورية الاصطلاح، وفي هذا العصر تتكاثر القواعد والمصطلحات التي فيها الإشكالية نفسها.
على سبيل المثال يأتي من يقول: العلمانية الغاية فيها تبرر الوسيلة كما قال ميكافيلي، وليس الإسلام هكذا! وهذا التعميم فيه غلط فهناك العديد من الأحكام الفقهية جازت تبعًا لوسيلتها، كجواز النظر للخطبة، وأكل الميتة لغاية إنقاذ الحياة عند الضرورة، وجواز النطق بالكفر عند الإكراه لإنقاذ النفس، فيجري تفتيت المقالة تبعًا لقواعد وأحكام فقهية، لا التعامل معها على أنها معيار للنفي والإثبات.
وأذكر ذلك الذي سمع كلمة أحمد بن حنبل حين قال: يغزى مع الأنكى، لا الصالح في نفسه الضعيف في الغزو، فأنكرها، وذلك لأنه بنى تصوراته لا على التأصيل الفقهي نفسه، بل على ثنائية نفي أو إثبات المصطلح كنفي العلمانية وحسب أن هذا منها.
وتجد الامتحان على سبيل المثال بمسائل يحسبها الواحد من هؤلاء مفصلية في الفروق، بين الإسلام وغيره، ويحسبها لغير الإسلام، على أنها قد تكون من صميم الإسلام، وينكرها لأنها رأى جماعة مغالية قالت بها، أو خصمًا سياسيًا رددها.
بهذه الطريقة تجد من يقول ننفي تاريخية النص، ويضرب بهذا التعميم ضرورة معرفة أسباب النزول، وإثبات الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، ويصور الآيات جميعًا متعالية عن الظرف، خشية أنه لو أثبت تاريخيتها لأدى ذلك إلى انقطاع دلالاتها، عند زمن معين، والتفصيل في المحاكمة ضروري هنا، وإلا لن يخرج الباحث بنتائج جادة.
فالدوران مع المصطلح نفيًا وإثباتًا كثيرًا ما يوقع خلافًا لو حررت المعاني المقصودة لظهر الاتفاق كما قيل: أكثر خلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وتفتيت المباحث لفهمها مسلك الباحثين عن الحق، حيث إن المقصود بالمصطلحات معانيها، لا أصواتها، وهذا لا تجده في الأسماء الشرعية، التي في القرآن والسنة، كمسلم ومؤمن، ومنافق ونحوها فهي منضبطة.