مصطفى صبري، وإيمانويل كانط
كان من أشهر انتقادات إيمانويل كانط في [نقد العقل المحض] على أدلة وجود الله، تلك التي كانت حول استعمال قانون السببية، في الاستدلال على وجود الله، إذ إن هذا القانون يعمل في الأشياء القابلة للحس [الأشياء المادية]، كون هذا [الدليل] مركبًا من هذا العالم [المادي]، ومن العقل.
ويعترف مصطفى صبري أن هذا “الاعتراض موجه إلى صلب أشهر دليل على إثبات وجود الله والذي لو صح لقضى عليه” [١]
ويبدأ صبري بإعادة الكلام في الدليل المنتقد، بالقول:
“هل وجود العالم الذي لا ضرورة فيه لكونه من الممكنات القابلة للوجود والعدم على سواء، مستغن عن علة ترجح له الوجود” [١]
قائل هذا لا يتصور اعتراض كانط، فهو يقول لك إن العقل لا يقدر على إجراء هذا القانون فيما لا يقبل الحس، فيما ليس ماديًا، لا يقول لك: إن هذا العالم مستغن عن العلة، بل لا يقدر العقل على سحب هذا السؤال خارج العالم المادي فقط لسبب أساسي؛ وهو أنه لما تقول كل شيء حادث [هذا يتحرك في المادة] فكيف ستضم إليها غير المادة بأي جامع؟ وهو مختلف عن المادة؟
ويظل صبري يعيد تصوير نفس الدليل:
“سلسلة العلل الحادثة المحسوسة المحتاجة إلى علة، تكون متضمنة لاحتياجات غير مقضية، ما لم تنته إلى علة قديمة غير محتاجة وإن لم تكن هذه العلة القديمة نفسها من العالم المحسوس” [٢]
هنا مغالطة، فالحديث بدأ في المحسوسات وهو مسلّم، لكن القفزة إلى العالم غير المحسوس [المثالي] موضع النزاع! فهو يدور في سلسلة منقطعة هنا.
للتقريب فقط حين تقول كل القطط تنقسم إلى ذكر وأنثى، فهذا يعني تلازم وجود ذكر وأنثى للتكاثر، ثم تقول تقاس عليها بقية الكائنات في التكاثر!
وهنا يظهر الغلط في [وحيدة الخلية] مثلًا، وذلك الإشكال لانقطاع القياس بين القطط ووحيدة الخلية، فكيف بغير المادي، لانعدام الجامع بين المادة وغيرها، فلكل حادث محدث، متعلقة بعالم يجري فيه مفهوم الزمان والمكان مثلًا: [حادث، قديم] لا معنى لها دون مفهوم الزمان، لكنك تفترضه يصل إلى عالم لا تعمل فيه هذه المقالة، وبالتالي فهي ممتنعة على هذا القياس.
يقول كانط: لا يجري القانون فيما لا يقبل الحس، فشرط قولك بهذه القانون كان العالم المادي، فكيف ستقيس غير المادي الذي لا تعرف قانونه؟ حتى تقول يمكنني أن أصل إليه بهذا الدليل.
والأطرف، أن الشيخ صبري يمدح نفسه فيما يقوله، ويعلن انتصاره بقوله:
“لا يستطيع كانط أن ينهض من تحت هذا النقد القاسي المردد بين ضرورة الاعتراف بوجود علة قديمة محسوسة أو غير محسوسة” [٢]
وهذا لا شيء، إذ إن كانط يقول: متى كانت تلك العلة محسوسة [مادية] فهي ليست الله: عند كانط، وعند صبري، وغيرهما فقد سعى المتكلمون النصارى، واليهود، والإسلاميون، لإثبات أن كل محسوس حادث، فأنت تزعم أن العالم ممكن، لأنه محسوس في نهاية الأمر، [دليل حدوث الأجسام]، فمتى قلت بوجود جسم قديم هدمت هذا!
وإن قال علة قديمة غير محسوسة، بقي اعتراض كانط بأن هذا الدليل لا يمكن أن يتصور دون استحضار الأشياء المادية، وقد فرض صبري وكانط أن الإله مخالف للمادة، فعلى أي شيء سيجري القانون في الإلهيات، إلا أن يشبّه الله بالمادة ورجع إلى التجسيم وهو الذي يسلم الشيخ صبري وغيره يسلم أنه ليس الله!
—————————- [١] موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: ١٤٠١هـ-١٩٨١م، ج٢، ص٢٠٦. [٢] المصدر نفسه، ج٢، ص٢٠٧.