“المادة لا تفارقها حاجتها إلى الصورة، التي لا تكون المادة موجودة بالفعل إلا بها، فلا توجد في الدنيا مادة مجردة عن الصورة كما أن الصورة لا تفارقها حاجتها إلى المادة، فكل منهما محتاج إلى الآخر ليكون موجودًا”[١]

بمثل هذا الحجة الأرسطية كان الشيخ مصطفى ينطلق لمخاصمة “الملاحدة الذين ينكرون وجود موجود آخر وراء العالم المشهود” [٢]، كان ليثبت عالمه المثالي، لا بد أن يدفعهم قبل ذلك إلى الاعتقاد بوجود مبدأ الصور في العالم المشهود تبعًا لأرسطو!

وعلى هذا يصبح الإيمان بالله متوقفًا على إثبات عالم الصور، أو المثل، أو الفكرة في الشيء، فالكرسي يتكون من مادة الخشب، وعليك أن تعتقد أن فكرة الكرسي قائمة بمادته ليصبح على ما هو عليه، على أن صورة الكرسي إنما هي في ذهن النجار الذي بناه.

إلى أي درجة بعد أن تحول العديد من المتكلمين إلى دعاة أرسطيين كضربة لازم كانوا أحوج إلى إثبات الأنطلوجيا الأرسطية من أي شيء آخر؟

—————————- [١] موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: ١٤٠١هـ-١٩٨١م، ج٢، ص٧٦. [٢] المصدر نفسه، ج٢، ص٧٥.