حول كتاب نيكولاس داڤيلا؛ شذرات فلسفية وسياسية.
مؤلف رجعي، هكذا يصنف نفسه، رجعي أصيل من القرون الوسطى في وجه الحداثة، دومًا الصراحة جيدة، فهي توفر على الناقد تكلف تحليل مذهب المتكلم، فكثيرون يقولون كلامه ثم ينفجرون غيظًا إن قيل لهم رجعيون.
يدافع عن هرمية السلطة، الدينية والزمنية، عن الإقطاع، في وجه المجتمع البرجوازي الصناعي، والماركسيين الذين يلمزهم كل حين بأنهم يحبون أن يصبحوا من البرجوازية!
وبصفته رجعي فهو يحن للإقطاع، فتوجعاته كانت لحنينه على ثروته التي استولى عليها المجتمع الصناعي، إن شذراته مرافعة شيّقة عن العهد الذي يحن إليه، يتهم المجتمعات الحديثة أنها تسحق الحرية! صدّق أن هذه التهمة تصدر عن ذلك المناصر للإقطاع الذي عمل على استيراد السود ليعملوا في الحقول، ثم كانت توضع على رقابهم قطعة خشب حتى لا يقدروا على رفع ثمرة مقطوفة إلى أفواههم، ذلك العصر الذي يجعله ذا معنى.
ويدافع عن الشعب، الذي كان يعمل بالسخرة، ويقول إن الحرية القديمة كانت موجودة! كيف؟ قال لك لأن الشعب لم يكن يفكر بالموالاة أو المعارضة، إنه يعتبر الحرية تابعة إلى الروح، الذهن، فإن فكرت بها فأنت حر حتى لو كنت مربوطًا بالسلاسل، لتباع في أوروبا بعدها في حقل!
إن هذا التركيز على الروح هو الذي يجعله يرى أن عهده البائد لا يمكن الرجوع إليه، إنه دولة مستحيلة، لكن يريد الإبقاء على القيم الهرمية، لا عجب أن يكون انتشاره بعدها في ألمانيا أكثر من المناطق الناطقة بالإسبانية.
ما البدائل التي يطرحها؟ سوى الحنين إلى الكنيسة، وهرميتها، والإقطاع وعنفوانه، لا شيء، مجرد انتظار معجزة بتصريحه، أو النظر إلى التفسخ للوضع القائم لا أكثر، صرخة محبط متألم للماضي فحسب.
يرافع بشأن التعطيل للعلوم في العصور الوسطى، ويقول بأن الكشوف الحديثة كانت لأدلة حديثة، وبالتالي يحاول أن يقول لو كانت تلك الأدلة في عصر الكنيسة لاكتشف لاهوتيوها النتائج نفسها، علمًا أن الكنيسة التي ارتمت في حضن أرسطو، ومقرراته، كانت تكابر كل الأدلة لما قاله المعلم الأول، وهو نفسه الذي كان لا يعرف عدد أسنان المرأة ولم يكلف نفسه أن يدرس في الأدلة “القديمة”، حين قال بأن عدد أسنانها يختلف عن الرجل.
إنه كاثوليكي متحمس، يتجاهل وقائع المحاكمات الكاثوليكية منها تلك التي عقدت لغاليليو قبل أن تحاول الكنيسة التخفيف من شأنها لاحقًا ومحاولة رد الاعتبار، تحت ضغط نتائج أفعالها، ويحاكي نيتشه مرارًا! على سبيل المثال يقول بأن ماركس كان آخر ماركسي، في الواقع يفتقد حس الفكاهة، والإبداع في هذا، فهو مجرد صدى لتعبير نيتشه حين قال: آخر مسيحي، ذاك الذي علّق على الصليب!
ومع هذا كانت مرافعته قيمة من جهة تماسكها، تستحق القراءة، مع العديد من الشذرات التي لا تخلو من دقة ملاحظة، وتعبير أدبي جيد.