قال الشيخ مصطفى صبري:
“لم يقع في السلف ترجيح أحد المذهبين المختلفين بين الأشاعرة والمعتزلة في مسألة أفعال الإنسان على الآخر بسبب تأديته العمل، والآخر إلى الكسل، وإنما حدث هذا الترجيح في زماننا من بعض العلماء تقليدًا للجريان الآتي من الغرب الرامي إلى اتهام المسلمين في عقائدهم” [١]
فيقال: من يخالف معتقد فرقة لا يرى أن ما يخالفه فيها من الإسلام، ولذا يقول هذا القول بدعة، أي أحدثه قوم دون صلة للقول بالوحي، وإلا لقال به، أو على الأقل جوز القول به لمقلد مثلًا.
وهنا مسألة أصولية، وهي أنه لا يجوز إحداث قول ثالث متى اختلف الأولون من السلف على قولين، ولكنهم يقولون يجوز إحداث استدلال على قول، يعني حتى لو لم يقع استدلال سابق على صحة قول، فيجوز أن ينقدح في ذهن متأخر وجه لم يكن جرى الاستدلال به، إذ لم يخرج بهذا بقول جديد بل هو ينصر قولًا قديمًا.
هذا فيما نقل عن السلف نفسهم في المسألة، وهذا [قبل الأشعرية والمعتزلة أصلًا] أما أن عقيدة الجبر تؤدي إلى الكسل لا العمل، فذا يشمله كلامهم في الجبرية بأنهم لا يراعون الأوامر والنواهي بخلاف القدرية التي راعت ذلك لكنها لم تراعِ القدرة والخلق والمشيئة، في مسائل كطلب الرزق ونحو ذلك، فهي متضمنة لكلامهم.
لذا لما قال الغزالي: “لهذا الرزق المضمون أسباب، فهل يلزمنا طلب الأسباب؟ قيل له: لا يلزمك ذلك، إذ لا حاجة للعبد إليه، إذ الله سبحانه يفعل بسبب وبغير سبب، فمن أين يلزمنا طلب السبب؟”
فرد عليه ابن تيمية بقوله: “أئمة المسلمين وجمهورهم على خلاف هذا، وأن الكسب يكون واجبًا تارة، ومستحبًا تارة، ومكروهًا تارة، ومحرمًا تارة، فلا يجوز إطلاق القول بأنه ليس شيء منه واجب، كما لا يجوز إطلاق بأنه ليس شيء منه محرمًا”
فالكسل يكون عن عمل الواجب، كالسعي على نفقة العيال، والمدح بالعمل يكون في الواجب والمستحب، فمن أين مثل تلك الشعارات التي يطلقها الشيخ في الاعتراض على مخالفيه؟! ————————— [١] موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: ١٤٠١هـ-١٩٨١م، ج١، ص١٨٩.