يقول مصطفى صبري آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية:

“معظم أهل الطبقات الدنيا الذين هم الكثرة في الأمم والذين تروقهم الشيوعية الزمنية، يزعمون ما لا طاقة باحتماله في هذا الزمن من دوام سلطة القادرين على العاجزين، ودوام طاعة الآخرين للأولين، قائمًا على الدين لكونه آمرًا بطاعة أولي الأمر، والمحافظة على الأمن والأسرة، والملكية وناهيًا عن الفتنة والثورة، حتى يقال: إن الدين هو أعظم ضمان للبلاد يصونها من الشيوعية والبلشفية.

ونحن نقول: إن هذا من عظيم فضل الدين على البلاد، لكنَّ معناه من ناحية أخرى: ينم عن كون الدين يحمي الطبقات العليا من ثورة الكثرة المظلومة فيعمل على إدامة سلطة القلة عليهم، ويظلمهم مع الظالمين المتغافلين عن حقوق الفقراء على الأغنياء.

فيحب على علماء الإسلام رفع التهمة عن الدين، تهمة كون الأغنياء يحافظون على طبقتهم الممتازة في ظل حماية الدين مع حرمان الفقراء عن هذه الحماية، محكومين على الصبر والسكون وممنوعين من التوصل بالقوة إلى حقوقهم المضيعة، وهذا التفريق بالنفع والضرر على الرغم من أن الدين، إن كان باقيًا في هذا الزمان فعند غير الطبقات العليا."[١]

لكن ما الحل الذي يطرحه هو، لهذه المشكلة التي يحسن تصويرها؟

“يجب على العلماء … بأن يسدوا النصح المتواصل إلى المترفين”[١].

فأمام المشكلة الطبقية الكبرى في العالم، يرى أن الحل يكمن في مواصلة النصح للأغنياء لتحسين حياة الفقراء، لعلهم يستجيبون إلى المواعظ، لينتظر الفقراء نتائج الإلحاح بالنصح! وبلمحة سريعة على التاريخ الطبقي خلال مدة حكم العثمانيين، يمكن معرفة نتائج النصح.

وبالمناسبة كان في أوروبا كذلك دعوات لإحياء مبدأ الإحسان المسيحي، بحث الرأسماليين ومن سبقهم من الإقطاعيين على الإحسان إلى الكوكب، طبقًا لتعاليم يسوع، ولا حاجة إلى التخمين في نتائج تلك المواعظ في كل عهد. ————————— [١]موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: ١٤٠١هـ-١٩٨١م، ج١، ص٢٠، ٢١.