حول كتاب (أثر العلم التجريبي في كشف نقد الحديث النبوي) لجميل فريد أبو سارة، قدم له حاتم العوني (٢)
من أوضح الأمثلة التي ضربها المؤلف على دعواه في تقوية ((الإعجاز العلمي)) بنظره لحديث ضعيف:
حديث:
“ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء” [١]
والحديث “مرسل، في أسناده [راو مجهول] تابعه إبراهيم بن أبي يحيى الذي طال الجدل حوله”[١] وأكثر النقاد على تضعيف إبراهيم وإغلاظ القول فيه بل رماه العديد منهم بالكذب، وقد توفي إبراهيم في ١٨٤ هـ، وقد كان جهميًا.
وسارع المؤلف إلى تقوية الحديث بحجة وجود “وصف علمي ظاهر، يبعد الاطلاع عليه في ذلك الزمن، ولا يرجّح كونه من الإسرائيليات” [٢]،
فهذه طريقة المؤلف!
فمن أين له أن هذا بعيد عن القرن الثاني الهجري؟ وقد كانت الرحلات موجودة بين الأقطار، والمسلمون كانوا قد امتدوا على رقعة شاسعة في ذلك الزمن، ثم إن معرفة حالة الطقس من ضروريات التحركات العسكرية، والتنقلات، لفرائض مثل الحج، وقد كان الأمويين قد توسعوا توسعًا هائلًا، وعن طريق تأريخ الرسائل كان يمكنهم معرفة اختلاف حالات الطقس من بلد لآخر في ذلك الزمن، بل يمكن للحجاج أن يعلموا هذا بسؤال بعضهم لبعض عن حالة الطقس في بلدانهم في رمضان مثلا، بدون أي افتراضات إعجازية.
وأحد الرواة فيه جهمي [إبراهيم] منشغل بالكلام، وكان قبل أن يولد هذا الراوي يعيش يوحنا الدمشقي مثلًا وهو يجيد اليونانية، ويكتب في اللاهوت مستعينًا بما اطلع عليه من كتب أرسطو وغيره في الشام، في المائة الأولى من الهجرة، فالاطلاع على أرسطو ومقالاته كان موجودًا في الأديرة الشامية، والعراق.
وهؤلاء كانوا يجادلون المسلمين وبهذا كان العديد من المتكلمين يطلع على ما عندهم، وفي كتب أرسطو [٣٢٢ ق.م] وصف لتكثف الماء وهطول المطر بطريقة علمية:
“تصاعد البخار ينبغي أن يتكاثف فإذا برد وصار الماء نزل” [٣] وقد عرف اختلاف المطر بين منطقة وأخرى.
لقد كانت عملية المطر مفهومة وتلميذ أرسطو الإسكندر الأكبر سيطر على مساحات شاسعة ومعرفة حالة الطقس من ضروريات التنقل، والأعمال الحربية، وقد كان إراتوستينس [١٩٤ ق. م] قال بكروية الأرض، وقدم حسابًا لمحيط الأرض.
ثم إن أعمال الترجمة الأولى قد بدأت قبل المأمون بزمن، من أيام الأمويين، كل هذا يتجاهله المؤلف وبكل اندفاع يقوي حديثًا ويجعله إعجازيًا في تجاهل تام منه لتاريخ العلوم، فهذا أوضح مثال قدمه المؤلف على دعواه، وهو كما يظهر لا يتماسك عند النقد.
————- [١] ص١٨١. [٢] ص١٨٢. [٣] الفيزياء، أرسطو، ص٦٥.