حول كتاب (أثر العلم التجريبي في كشف نقد الحديث النبوي) لجميل فريد أبو سارة، قدم له حاتم العوني (١)

ذكر المؤلف في الأدلة على صحة استعمال النظريات والكشوف العلمية الحديثة أداة نقدية تصحح وتضعف الأحاديث، قوله:

“اشتمال الحديث الضعيف إسنادًا على إعجاز علمي أمر لا يمكن تفسيره إلا بصدوره عن المعصوم” [١].

وهذا غلط رأسًا، لأسباب منهجية ودينية:

١-ما معنى الإعجاز العلمي؟ هل هو على تعبير أينشتاين وهو يقول: “إننا نعظم الدولة الإغريقية القديمة ونعتبرها مهد العلم الغربي ففيها قام لأول مرة مذهب منطقي كان معجزة من معجزات الفكر تتسلسل قضاياه الواحدة من الأخرى بوضوح ودقة جعل هذه القضايا فوق مستوى الشك هذا المذهب هو هندسة إقليدس”[٢] على هذا فإقليدس نبي؟ وهذا باطل لأنه قد تقع الإصابة بجهد ذهني لا بخبر الوحي.

لكنه حدد هذا بقوله: “أنى لبشر في ذلك الزمن أن يتكلم بهذه الدقة العلمية التي يغلب على الظن تعذر الوصول إليها ذلك الزمن” فيقال فيه:

٢-وجود ١٠٠ حديث ضعيف مثلًا وترى حديثًا منها وافق العلم فتجعله صحيحًا وترد الباقي مخالف للمنهج العلمي، إنها طريقة تحكمية، بل ردك ما على شرطه وتصحيحه هو لمجرد موافقة اكتشاف متأخر باطل لإمكان الاتفاق بالاحتمال، من كل ١٠٠= واحد يصدق، وهذا مثل من يصدق عرافًا لأنه أصاب في واحدة رغم الخطأ في مائة! ويعتبر الواحدة دليل اطلاعه على الغيب بحجة أنه لا يصدر إلا عن معصوم رغم أن الخطأ ورد في مائة على الشرط نفسه في الكلام!

٣-القول السابق الذي وافق المتأخر علميًا ليس هو نفسه علميًا، فكثيرة هي الاعتقادات التي لم يعبأ بها العلم ثم ثبتت، فلا يعني هذا أن الأقوال السابقة علمية، ككثير من مقالات الفلاسفة اليونان التي ألهمت العلماء وحثتهم على تغيير الافتراضات السائدة في عصرهم وليس ذلك لوحي لهم أو أن ما كانوا يقولونه علم وليس فلسفة، لكن لكثرة ما قالوه وبحثوه وتعدد مذاهبهم ومشاربهم وقعت الاتفاقات وقد كانت افتراضات.

٤-وهي حجة دينية: وذلك أن المسلم يعتقد بوجود أنبياء من قبل، ووحي من قبل، وقد اطلع العديد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على كتب سبقتهم، فلو كان الحديث موقوفًا على راويه مثلًا وإنما رفعه راو ضعيف، وأصله من التوراة، فأنت قد تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلامًا لم يقله قط لمجرد اتفاقه مع العلم-لو سلمنا جدلًا أن هذا يتوقف على وحي-فقد يكون خبرًا عن التوراة على سبيل المثال من راو متاخر كتابعي أو من بعده.

————- [١] ص٤٧. [٢] محاضرة له حول المنهج في الفيزياء النظرية ١٠ يونيو ١٩٣٣.