هل بشر الكتاب المقدّس بمحمد، حتى بمنطق لا ديني؟ (2)

في سفر التثنية يؤكد موسى: “انظر قد جعلت أمامكم الأرض، ادخلوا وتملكوا الارض التي أقسم الرب لآبائكم إبراهيم وإسحق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم” (1، 9)، هذا التأكيد على النسل من إبراهيم وإسحق ويعقوب، كان مشروطًا دومًا بتحقيق وصايا الرب التي يمتلئ بها سفر التثنية بالتأكيد والتكرار، وأنهم متى لم يلتزموا بالوصايا فلا تتحقق الوعود المشروطة بها، بل تبيد ممالكهم، ويغضب الرب عليهم، فنص التثنية يتحدث عن نسل: إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وإبراهيم كان له ابن كذلك من نسله وهو إسماعيل “ابنا إبراهيم: إسحق، وإسماعيل” (أخبار الأيام الأول، 1، 28)

ويسلم العهد القديم بصحة معتقد إسماعيل، وبركة ذريته، رغم أن نسل الأنبياء سيكون في ذاك الوقت مع إسحق، “وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا، اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله امة كبيرة، ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية” (التكوين، 17، 20-22) فالرب بارك إسماعيل، وكان يعتقد بالله حقًا، وذريته كثرت جدًا لدعاء إبراهيم الذي استجابه الرب، لكن العهد الذي سيكون فيه نسل الأنبياء في ذلك الوقت كان مع إسحق.

ولذا كان الحجاج القرآني لبني إسرائيل يخبرهم عن إبراهيم: (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه)، وأنهم يسلمون صحة معتقد إسماعيل (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك، وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا)، وأنهم متى احتجوا بأن موسى كان يهوديًا فما بالهم بإبراهيم من قبله؟ (ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا)، وأن إبراهيم دعا لذريته إلا أن ذلك دومًا كان مشروطًا بتحقيق الوصايا الإلهية: (وإذ ابتلى ابراهيم ربُه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)، وفي حين كان يجري إغفال ذكر إسماعيل في المواضع التي تذكر (إبراهيم وإسحق ويعقوب) في العهد القديم، كان النص القرآني يؤكد: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب)

وهذا الذي أخبرهم به موسى كما في (تثنية الاشتراع) بأن الوصايا دومًا مرهونة بتحقيقها، وإلا فإن من يعبد غير الله، أو يجحد الوصايا الإلهية، أو يبدل، فإن النقمة تحل عليهم، وأنه أخذ عليهم الميثاق بأنه يقيم لهم نبيًا من وسط [إخوتهم] مثلك ليؤمنوا به ويجعل كلامه على فمه، لكن من هذا النبي الذي من إخوتهم؟ فـ (من إخوتهم) هذا عام يشمل كل من هو من نسل إبراهيم، ولا يوجد دليل لحصره في إسحق ويعقوب، فهو لفظ عام يشمل إسماعيل، وقد أطلق في سفر التثنية نفسه وصف إخوتكم على نسل عيسو، وهو أخو يعقوب، وهذا يعني أنه يطلق كذلك على نسل إسماعيل أخو إسحق والد يعقوب. في موقع (الأنبا تكلا هيمانوت) حاول حلمي القمص يعقوب أن يجيب عن هذا الموضع بتكلف هائل، مثل قوله:

“النبوة موجهة لبني إسرائيل لذا قال: “يقيم لك الرب إلهك” فقوله لك تعني لشعب إسرائيل وليس لشعب آخر مثل الشعب العربي”.

وهذا الحرص على حصر المسألة في إسرائيل إنما هو شعبة يهودية، كما قال نيتشه: النصراني يهودي متنكر! إذ كرر حجتهم نفسها، فهذا الاعتراض يصح فقط حين يقول ذاك النبي إنه موجه لغير بني إسرائيل، أما أن يوجه لهم ولغيرهم، فيسقط تمامًا كما في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم قال بأن النبوة تكون من وسط بني إسرائيل “من وسطك” وهذا لا يتفق مع قراءة أخرى: “من وسط إخوتهم”، ولو سلمت فإن قوله من وسطك، ثم من إخوتك، تصرف الدلالة إلى الأبعد، ثم قال بأن “إخوتك” لم تطلق في العهد القديم على نسل إسماعيل، فيقال: لا تنحصر دلالة اللفظ في استعماله في العهد القديم، فهو له دلالة حتى لو لم تستعمل بنصها في موضع صريح في إسماعيل، وقد أطلقت على نسل “عيسو” أخو يعقوب، فعلم استعمالها في غير نسل يعقوب، فالعام ينطبق على أفراده، ولا يشترط ذكر الأفراد بعينها كل مرة في النصوص.