هل بشر الكتاب المقدّس بمحمد، حتى بمنطق لا ديني؟ (1)

شاهدت المناظرة التي عقدت حول هذا العنوان، والتي كان المناظر النصراني يستعمل منطقًا (لا دينيًا) في طرحه، كالقول هل من المنطقي أن يتحدث الكتاب المقدّس عن محمد قبل قرون ونحو ذلك، في حين أن هذا يرد في المسيح نفسه، الذي حرصت الكنيسة على إعطائه شرعية دينية ببشارات استدلت بها في العهد القديم، المسيح وفق نظر الكنيسة هو ابن الله، أحد الأقانيم الثلاثة، ثلاثة في واحد: الله، وهي نظرة أجنبية تمامًا عن العهد القديم.

فكل ما استدلوا به يعكره ضابط النبوة في العهد القديم أصلًا، الذي ينظر إلى البشر جميعًا على أنهم مخلوقات، وأنه لا يمكن لأحد منهم أن يكون الله، أو أحد أقانيمه، وأقنوم كلمة لم تستعمل حتى في العهد الجديد، جاء في (التثنية: 5، 6-8): “أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية* لا يكن لك آلهة آخرى أمامي” هو الرب الذي كانوا يعتقدون به في تلك المرحلة التاريخية، لا علاقة له بابن هو نفسه أقنوم الرب وأنه تجسد في المسيح هذا بعيد تمامًا عن العهد القديم، وهو الأقرب إلى اليونان مثل: (أنساب الآلهة) لهزيودوس، وقد اختلطت الثقافة النصرانية باليونانية لاحقًا سواء من حيث النص الإنجيلي، أو أمثال بولس الذي تحرك في مناطق اليونان مثل كورنث.

ودلالة الوصف بـ(ابن) في العهد القديم تطلق على المقرب، والملازم، كما في العربية، (ابن السبيل) ونحو ذلك، ولذا رغم وجود هذا الإطلاق في العهد القديم على المقربين من البشر، لكن لم يكن يجوز أن يدعى أن أحدًا منهم إله، بل هذا فيه كفر وفاعله يقتل كما في تلك النصوص، إن نصوص العهد القديم بالعبرية هي أقرب إلى العربية، منها إلى العهد الجديد (الإنجيل) الذي لم يكتب بالآرامية لغة المسيح حينها، والتي تنتمي إلى قرابة العبرية والعربية، بما لا يقارن بالنص اليوناني الأقرب إلى الفلسفات اليونانية ومضامين تلك اللغة المحشوة بالفلسفة اليونانية.

وأهم ما جاء في النبوة فيه كان في سفر (تثنية الاشتراع) على لسان موسى، حيث ذكّر بني إسرائيل بأنهم صنعوا عجلًا، وأنه ألقى الألواح (9، 17-18) وأن ملكهم الأرض مشروط بتحقيق وصايا الرب (11، 9) كانت أوامره بتخريب كل الأوثان (12، 4) وكان في كلامه أنه لو خرج نبي ودعا لإله لم تعرفه ولم تعبده فلا تطيعوه وذلك النبي أو الحالم وقتها يقتل لأنه تكلم بالزيغ (13، 6) مبينًا أنه مهما يكن هذا الشخص، ابنك أو أخوك فهذا حكمه (13، 10) وقال له في شأن النبوة: إن الرب قال لبني إسرائيل:

“أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلامًا لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي. وإن قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه” (19، 21)

فهنا يقول بأنه سيقيم نبيًا لبني إسرائيل من [إخوتهم] مثل موسى، وأنه سيتكلم بكلام الله، وأن علامته أنه سيخبر بما سيحدث، وأن الكاذب سيموت، وأن أهم شرط للنبوة أنه لا يدعو إلى آلهة أخرى لم يعرفها موسى أو يعبدها أو يدعو إليها.

هذه العلامات في النبوة التي وجدت في العهد القديم، لا أن يدَّعي ذلك الرجل أنه الله، أو يدعو لعبادته هو، ولا يظهر في نص (التثنية) أي حديث عن اشتراط الخوارق للتصديق به واتباعه، وهذا النص له أهميته لفهم حجاج بني إسرائيل في القرآن حيث إن موسى عليه السلام هو أكثر نبي ذكر في القرآن، وبهذا فإن الثقل الحجاجي في القرآن لم يكن للنصرانية بقدر ما كان لليهود وتصوراتهم للنبوة