توضيح واضحات (5)

ها هو ذا الذي نحته تاريخ العرب والمسلمين أنفسهم، لتختصر فيه بطولاتهم وإخفاقاتهم، صراعاتهم وأفكارهم قد يمشي في أرضه فلا يأمن على نفسه، يرى كل يوم بضعة منه تقطع، وبعد أن كان يفرح بأنه قد شرح بالأمس شيئًا عن تاريخه لأعجمي يعتذر بأنه لم يزر (الشرق الأوسط) مرة، ليفك له شيفرة معنى أنه فلسطيني لكنه يحمل جواز سفر لدولة أخرى! أو أنه يقيم في مناطق تدعى بي، وأخرى سي، أو درس في جامعة لا تعترف بها تلك الدولة أو هذه، قد صار يتعب في شرح ذا لعربي ومسلم آخر!

ولم؟ لأن هناك مقطعًا مصورًا موثقًا لمجموعة كبيرة في مسجد تدعو على تلك الدولة العربية، أو تشتم رئيسها، أو لا أدري من أمثال هذه الحجج! يا صديق أنت تتكلم عن شعب لا يزال مشتتًا، تتزاحم فيه الآراء المختلفة، وتجد في دول كثيرة مثل هذا، ستجد مقاطع مسجلة لخطباء ينالون من دولة، أو ينحازون لأخرى، ألم تشاهد مثلًا مقطعًا لـ(نمر النمر) تجد مقاطع لا تكاد تنتهي من مصر، من الجزائر وفي عهد الاقتتال الداخلي فيها كان هذا منتشرًا جدًا، أي دولة يمكن أن تجد فيها هذا، فكيف تحاكم شعبًا لا دولة له بشيء موجود في دول! فإن كان من الإجحاف أخذ مقطع فيه آلاف وتعميمه على شعب كامل، لأن هناك من يخالفهم، هذا وله دولة، فكيف بشعب متنوع تنوعًا فسيفسائيًا؟ وقد تعاقبت عليه الإيدلوجيات، والأحزاب، والانتماءات، في سعيه للخلاص؟

إن هؤلاء الذين يهاجمون فلسطين اليوم، لأنهم اختلفوا مع سياسة لبعض فصائلها أو حتى جميعها، قد نتفق معهم في بعض آرائهم أو حتى كلها، يجعلون كل شيء قابلًا للخصومة مهما كان، فالسياسات تختلف، الأشخاص يختلفون، لكن تاريخًا يجمع المنطقة كلها يلاحقهم، لن يغيروا أشكالهم، ولا جيناتهم، لن يقدروا على تغيير ثقافة مشتركة، ولا دين تنشأ عليه أجيال، لن يغيروا أن الفلسطيني لما يشتم إنما يشتم بأنه عربي، وحين يسعون لكسره يعيّرونه بموقف العرب! لا ملائكة بين البشر ولا أشجع أي دعاية ترفع الناس فوق بشريتهم، لأنها تضخّم أخطاءهم اللازمة للبشر، لن يتغير هذا، وإن كان في علم السياسة تحذير من استعمال المرتزقة في الجند لأن لهم ولاءً غير الولاء، وأطماعًا غير مصالح البلد، فكيف بمن لا يحتاج الكلام فيه إلى أحرف وإلا اعتبرت ثرثرة! فكيف وهو غير خاضع لك، ساع لإخضاعك؟

إن بضعة منك سبقتك إلى موطن ليس هو فيه إلا تجربة لك، وتنظر فيها لحال قد ينالك منه شيء لا قدر الله على المدى القريب أو البعيد، وقد لا تدرك مِن خصمه اليوم إلا مسخ هويتك جوهر كيانك، ومن يرمي ببضعة منه اليوم، يرمي غدًا بغيرها، فلا تزال تنتهي الأبضاع حتى لا يبقى لك شيء.

ودمتم بخير