توضيح واضحات (3)
قام العداء بين التوجه الجديد والقديم، الملكي وغير الملكي، ونشأت بينهما صراعات وصلت إلى حد سفك الدماء، وكانت هزيمة 1948، دومًا دعاية الأنظمة غير الملكية ضد الأنظمة الملكية متهمة إياها بالخيانة والضياع، حتى جاءت فرصة الأنظمة الملكية في 1967، فردت الصاع صاعين لغير الملكية، وقالت هي السبب، بالخيانة والعمالة تارة، وبالكفر والبعد عن الإسلام تارة أخرى.
بمعنى يا أستاذ، هذا الخطاب قديم جدًا، جاء في هذا الإطار التاريخي، وكان التخوين سيد الموقف، وكان الشتم المتبادل، بل وصل إلى القتل المتبادل (مثلًا اشتركت مصر عبد الناصر في اليمن وكانت تهديداته علنية للملك فيصل) وهكذا، فالموضوع ليس منتجًا فلسطينيًا حتى يأتي اليوم من يقول: هناك من يشتمنا ممن يقيم في (مناطق الأنظمة الملكية) يا صديق هذا من قديم، كان العرب يشتمون بعضهم ويخونون بعضهم بسبب الهزيمة الأولى، ثم في الثانية، فتنبه! كان هذا كله معلومًا لدولتك قديمًا، ومع ذلك فالملك فيصل على سبيل المثال كان موقفه معلومًا من القضية الفلسطينية ولذا ينال حتى اللحظة احترمًا واسعًا بين الفلسطينيين، وكذلك زايد آل نهيان كان له مواقف معروفة ولذا له احترام واسع بين الفلسطينيين حتى اللحظة.
وحكاية يتكلمون عنا، لم تكن من جعبة الفلسطينيين، بل كانوا متأثرين بالشرخ العربي الكبير الحاصل، هي جزء من الصراع الذي كان قد اشتد حينها بين (الملكي وغير الملكي) ورددوا ما كان يقال كل حين في المنابر العلنية، وفي الكتابات المنشورة المرفوعة حتى الساعة على الشبكة، ومع ذلك كان الملكيون يرون أن الفلسطينيين بقطع النظر عن توجههم يواجهون تمددًا في المنطقة العربية يشكل خطورة على العرب جميعًا لا على الفلسطيني لوحده، فلما سقطت سيناء في 1967 لم يقل المحتل: (هذه أرض ليست لي، أنا أريد فلسطين فحسب، لذا سأرجع إلى حدودي)! بل بقي فيها، وتنبهت مصر لأمنها وقتها ولذا دعمت التحرك الفلسطيني كمساند لحرب الاستنزاف التي خاضتها ضد وجوده في سيناء!
فهناك فرق بين سياسة دولة، وبين تصرف ضرّة مع أختها، تكلمت عني، شتمتني، دعت علي! إلخ في تغافل عن كل الحكاية واختزالها في بعد واحد فقط، فلا يصلح هذا إلا لمن لم يفهموا معنى: الأمن القومي، والانتماء العربي الإسلامي، الذي كان جميع الفرقاء ينادون به حتى حين كانت الشتائم تذاع عبر الإذاعات الرسمية!