توضيح واضحات (2)

فلسطين كانت دوما محورية ولو بالعقل الباطني الإسلامي، والعربي، وبالتالي، فأحداث مثل هزيمة 1948 انعكست على المنطقة، لا على فلسطين فحسب التي خسرت فيها قطعة منها، وكما هو معلوم فإن الدول العربية التي دخلت الحرب كان نظامها ملكي، وبالتالي فتغيير هذا النظام في البلدان العربية، اتكأ في دعايته على أن الهزيمة العربية كانت بسبب طبيعة نظامها الملكي، ورمى أبناء التصور الجديد لدولهم الحمل على النظام السابق في الهزيمة، ففي مصر حدث (انقلاب/ثورة=حسب تقييم المسمي للأحداث في 1952) وقد تم تحميل الملكية المسؤولية عن الهزيمة على سبيل المثال، وأن الأمر تم بخيانة، وأنهم كانوا يعطون الجنود عتادًا فاسدًا، ووصل الأمر حد نسج الحكايات والأساطير عن الجندي الذي كان يطلق على نفسه بدل أن يصيب العدو بسبب صفقة وتواطؤ سري بين الأنظمة الملكية وبين الوافد الجديد (بقطع النظر عن صحة هذه الدعاية من عدمها).

كان العمل ضد النظام الملكي مشروعا في التصورات الجديدة، على سبيل المثال أنور السادات الرئيس المصري اللاحق كان قد اشترك بقتل أمين عثمان باشا وزير المالية في مجلس وزراء النحاس باشا، وصوّر لاحقًا في عهد الجمهورية المصرية بأنه قام بعمل بطولي في هذا [كما في أيام السادات: 2001م]، المهم تم تغيير الأنظمة الملكية في العديد من الدول العربية التي اشتركت في 1948، منها مصر على سبيل المثال، وصار لعن الأنظمة الملكية فيها شيئًا عاديًا، ورميها بالخيانة لفلسطين ونحو ذلك.

وبالتالي كان هناك سرديتان للهزيمة في 48، واحدة ملكية، وأخرى معادية للنظام الملكي، فهذا قديم، وكالغريق الذي يتعلق بقشة، كانت الشعوب العربية بدأت تعول على أي جديد يحل لها المسألة، ولذا انتشرت الناصرية بينها انتشار النار في الهشيم، وصارت فكرة القومية العربية محل صراع، كذلك الاشتراكية التي دعا إليها عبد الناصر، وتم تعميم تخوين الأنظمة الملكية، فهذه الرواية كانت قد قسمت العرب إلى قسمين، المؤمن بالملكية يراها خصمًا له، وغير المؤمن بها يرى الأنظمة الملكية رجعية تقمع شعوبها وتنهبها، وهي مسؤولة عن ضياع فلسطين.

وهذا الخطاب لا شك أنه انتشر بين العديد من الفلسطينيين، الناقمين على أوضاعهم المطالبين بتفسير لما حل بهم في هزيمة 1948، لكنه انتشر كذلك في شعوب رأت أنها عانت من أنظمتها الملكية، انتشر في مصر، والعراق، وسورية، وليبيا، واليمن وغيرها، وكانت الأنظمة الملكية تدافع عن نفسها وتصوراتها، وفي هذا الإطار كان مثلًا بيان وجهة نظرها في الاشتراكية (هنا تجد تكفيرًا لها في فتاوى المشايخ الذين يقيمون في مناطق الأنظمة الملكية) بخلاف المناطق التي خرجت عن نفوذ الملكية وحاولت التقريب بين الاشتراكية والإسلام، كذلك الفتاوى في (القومية)، وغيرها (وهنا رصد للفتاوى واقعيًا دون هدف محاكمتها أو الحكم عليها)