“أما العلماء فلمّا اهتمّوا أيضًا بحبّ الدنيا وجمع الحُطام، والتكالب على الرفعة والمناصب بين الأنام، وشدَّة الاهتمام بالتقرّب إلى الأمراء، والدخول معهم في أهوائهم، ويفتنونهم بآرائهم طلبًا للمنزلة عندهم، أظلمتْ أيضًا قلوبهم، وعميت عن الرشد، فتصرَّف هواهم في علومهم فكدّرها، وصارت علومهم الشرعية مشوبة بأكدار الهوى، ممزوجة-وإن كانت حقًا-بأباطيل آرائهم ومحبوباتهم.
فلا ينكرون المنكر، إلا ما قامت لهم فيه مصلحة دنيوية، من كسر من عاندهم أو ناوأهم، فيكسرونهم بحجة إقامة الدين ويظهرون مثالبهم، ولا يأمرون من المعروف إلا ما استجلبوا به رفقًا أوجب لهم به رئاسة وظهورًا.
فمات الحق لظهور رغبتهم، وظهر المنكر لإبقائهم على رئاستهم، فبعدوا عن الله تعالى وأبعدوا، وكانت زلّاتهم كالسفينة تغرَق وتُغرِق، اللهم إلا بقايا منهم، خاملون مضطهدون، وقليل ما هم”
(ميزان الشيوخ، ابن شيخ الحزّامين [٦٥٧-٧١١هـ]، تحقيق: وليد العلي، دار البشائر الإسلامية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: ١٤٣٤هـ-٢٠١٣م، ص٩٣.)