هناك أمر لافت في التاريخ أنه لا يكاد يوجد فئة أعلنت تصورًا معينًا أو خصومة معينة مع الوضع القائم، إلا وتصل تصوراتها بعد حين إلى السلطة، كافة الفرق الإسلامية على سبيل المثال لا يمكن لفرقة أن تزعم أنها لم تعط في التاريخ فرصتها، إنما يمكن أن يقال إنها استنفدت أفكارها التي طرحتها فحسب، فمثلًا من خاصم الأمويين بزعم أن الخلافة يجب أن تكون في آل البيت، استنفدت أفكاره حينما وصلت السلطة إلى شخصيات من آل البيت، في الواقع لم يعد في جعبته أي شيء يقوله بعد ذلك.

الأمر نفسه ينطبق على السلوك المعارض الذي أجهد نفسه في جواز الدخول في البرلمانات، ثم دخلها، لم يعد له رصيد من الأفكار أكثر مما جرى تحقيقه، كذلك فكرة إعلان الخلافة، كانت شغلًا شاغلًا لأغلب الجماعات الحركية الإسلامية، وحين أعلنت، ذهب البريق، والواقع أن أكثر الجماعات كانت تصور المسألة كحل سحري، وغالبًا ما كان في كل الفرق التاريخية هذا التصور، كجعل الخلافة في آل البيت حلًا سحري، أو وصول قدرية إلى السلطة، أو مرجئة، أو إقامة الخوارج لدولة وهكذا، ويفترض التنبه للخيط الدقيق بين [لم يأخذ فرصته] وبين [لقد استنفد أفكاره حتى النهاية بحيث لم يعد له ما يقول] فغالبًا ما يجعل الأنصار الأولى في الثانية!