في مناقضة الصورة العاطفية عن العلم والمعرفة.
غلبت بعض التصورات في العلم والمعرفة، بربط العلم بكمال الأخلاق ونكران النفس، ثم لما حصل هذا الربط جرى التركيز على صور معينة من التآخي بين المختلفين، دون غيرها من الصور.
في الواقع أن التراث مليء بغير هذه الصور المثالية التي جرى نشرها وبثها في هذا الموضوع، فكم من رجل من السلف قال: طلبنا العلم [لغير الله] فأبى الله إلا أن يكون له، وأنه لا شيء أشد من معالجة النية ونحو ذلك، لا زالت أعالج نيتي، وهكذا.
ثم لما تأتي لنقاد الرجال، تجد أنهم سعوا إلى بيان مسوغات نقدهم على رجل، وغالبًا ما بعدوا عن تضعيف راوٍ لأجل سلوك نسبي، أو حديث باطني مثل أن فلانًا كانت نيته مشوبة! فما يدريه بنية أحد؟
بعض المتأخرين حرفيون في آداب طالب العلم مثل النموذج الذي لا يمكن المحيد عنه، في حين قد تكون محاكماتهم نسبية، فتجد أن الحسن البصري كان جادًا، في حين أن ابن سيرين فيه دعابة، وهكذا لا يمكن أن يجعل صفة عامة في كل طلبة العلم والرواة ونحو ذلك.
بل إن بعض الرواة فيهم عجرفة وغرور، مثل حجاج بن أرطاة، حتى إنه كان يمتنع عن صلاة الجماعة بل يرى ذلك من المروءة، ألا يختلط بغيره من المصلين من العوام! وقد أنكروا عليه هذا، ولكنَّ هذه لم تكن كافية لتضعيف روايته عند من وثقه، كذلك كانت صفة التنافس قائمة على قدم وساق، ومنها خرج اصطلاح جرح الأقران، فكم من رجل حمل على منافسه، في كل عصر، ولم يروا في ذلك نقصًا من علم هؤلاء.
بل إن بعض السابقين كانوا يستعدون للمباهلة على اختياراتهم الفقهية، وذا في عرف المتأخرين تشدد وخلط بين اليقينيات والظنيات، بعضهم يعاشر الأغنياء والسلاطين، وآخر يلمزه بهذا، لكن هذا لم يكن سببًا لرفض علم الأول وهكذا، كانت سياسة العلم تعلمهم أن ينزلوا عن التصورات الحالمة، حتى تجد من يقول لما ولي فلان للحجاج تركت روايته، ثم ندمت على ذلك فرويت عنه بواسطة رجل عنه.
فطلب العلم والمعرفة ليس حالة مثالية يفترض فيها الكمال فيمن يتلقى عنه، وهذا كقول الأول: إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى***ظمئت وأي الناس تصفوا مشاربه