نحو اليمين!
كثير من الأمور قد تبدو بريئة، هل عندك مشكلة مع اللون الأحمر، أو الأسود؟ هكذا يناقش بعض الناس، لكن الأمر ليس مجرد لون، بل هو توليفة معينة يتكوّن منها العَلم النازي!
العديد من الذين وصلوا إلى مناصب عليا في الحزب النازي، حين سألوهم لماذا انضممتم إليه؟ لا نعرف، كان هناك احتفال جميل، ورائع، وبدا الجميع مسرورًا وألمانيا متعافية فقررت الانضمام، بهذه السذاجة فحسب، أوصلت أقوامًا إلى ما أسمته حنا آرنت: بـ"تفاهة الشر".
ولذا فإن الرياضة التي كان يمارسها الأبطال الرياضيون، الموسيقى التي عزفها فاغنر، النسر المنحوت الضخم، الأضواء العالية كلها لا عيبَ فيها منفردة، لكنها هنا اجتمعت، وطرحت أسئلة: ما علاقة التسويق للسياحة مثلًا بمشهد عسكري؟ ما علاقة الطقوس التي تحمل مضامين لاهوتية وأيدلوجية سياسية بالآثار الوطنية؟ ما علاقة برلين الجديدة ببناياتها، وهندستها، بالرموز الموحدة التي تلتف بها الدولة إنها دعاية اليمين القومي في ألمانيا.
الحكم سهل جدًا بعد هزيمة ألمانيا: بأنه الجنون، لكنَّ الشأن كل الشأن في المواقف في البدايات، بدتْ ألمانيا متعافية تحت الفوهرر، جرى التساهل مع تحميل بعض الأمور فوق حجمها، عن تلك الأساطير المشكِّلة لتفوق الألمان على العالم، لكنها لم تعد تبدو مزحة ساعة اختبارها.
العديد من الذين كانوا يصفون مواقفهم بالتحررية من أي تعصب ديني أو عرقي، وجدهم الناس يرفعون أيديهم لتحية الفوهرر، فالتفكير في وسط الجموع دومًا أصعب، إذ تغري الجماعة بالمحاكاة والتقليد، وتعطل الحس النقدي للأفراد.
لم يعد للدعاية القومية النازية بصورة حرفية مساحة اليوم في الفضاء السياسي، ولكن المضامين ليست بعيدًا كثيرًا عن الخطاب اليميني، بل تجد بعض [الملحدين] الذين يتكلمون صباح مساء عن التحرر، والليبرالية، ينساقون بسرعة خلف العواطف التي تبعثها الطقوس المشبعة بالإيدلوجيات القومية، كأشد متعصب لاهوتي، تلك الخطابات التي تدفع الجماهير نحو اعتقاد الأفضلية، والتماهي مع الدولة، والربط بين الدولة والوطن، ثم القيادة والوطن.
يتمدد هذا الخطاب ليشغل المساحات الفارغة التي تركها فراغ البرامج السياسية، بنظرة ماضوية، توحي بالأفضلية لتتبعها وعود عن المستقبل المشرق، ويصل هذا الخطاب إلى المناطق نفسها التي تعمل على تخديرها التعاويذ الكنسية وهي تعطل نقد المسحوقين لأوضاعهم الاجتماعية، لتجعل من الإيدلوجيا القومية معتقدًا لاهوتيًا.