في علاقات السلطة

ما أن تذكر أمامه كلمة سلطة، حتى يسارع بعض الناس إلى حصر هذا المفهوم في الحكومة القائمة، ويبدأ بمحفوظات الدعاية السياسية المعارضة، الحديث عن السلطة شامل، ليس مقصورًا على أجهزة الدولة، بل يشمل المؤسسات الخارجة عن التدخل الحكومي المباشر، يشمل حتى الأحزاب المعارضة، الشرعية منها وغير الشرعية.

حين يدخل شخص في علاقة اجتماعية مع توجه، تجمع، على أسس معينة يبدأ بالدخول في علاقة سلطة، من جهته ومن جهة محيطه، على سبيل المثال: الذي يصبح مريدًا لشيخ طريقة صوفية، ويكون مع شيخه كالميت بين يدي المغسل ذا دخل في أوضح علاقات السلطة! بذلك الخضوع، الذي يدخل في علاقات تلمذة على شيخ سلفي [حتى لا يمتعض الصوفية] يدخل كذلك في علاقة سلطة.

علاقة الأب بأبنائه هي علاقة سلطة، على أنها سلطة طبيعية، الدخول فيها والخروج عنها محكوم بالعجز عن منازعتها حين يكون الطفل صغيرًا، وما أن يكبر حتى يكون الأب ضعيفًا لتقدمه في العمر، وبهذه الصورة يكون الانتقال طبيعيًا، ولذا لا تقاس عليها علاقات السلطة الأخرى! رغم الإصرار على تشبيه الشيخ أو رئيس الدولة بالأب عند كثير من الناس! فالعلاقات خارج الإطار الأسري كثيرًا ما تكون طوعية، ولا مجال لانتقالها بصورة طبيعية.

في السياسة مثلًا لما يجري الحديث عن كيفية تغيير السلطة، أو نقدها، لا بد من استحضار أن الأحزاب المعارضة هي سلطة تمامًا، فمبحث الخروج عن الدولة هو نفسه مبحث الخروج عن الحزب، الحريات في الدولة هي نفسها في الحزب وهكذا، ضمانات المراقبة هو كذلك فيها.

أما أن يكون نقده منصبًا مثلًا على تقييد حرية الصحافة، وهو حزب قائم على الظلام الفكري بين أعضائه وما أن يسمع نقدًا عليه حتى تدور عيناه من الغيظ، فما البديل الذي يظهر حينها؟ علاقات السلطة قد تختبئ خلف معجم لا تكاد توجد له نهاية من المصطلحات، فمن يتحدث عن رشاوى في الحكم، عليه أن يستحضر تسامحه مع ذات المبدأ وهو يحامي عن أشخاص مثلًا بحجة زكاه فلان من الصالحين! هي نفسها العقيد فلان يعرفه، لكن بطريقة ملتوية.

الذي يطالب غيره بالاعتراف بالأخطاء ولو سئل عن ثلاثة أخطاء وقع فيها حزبه، الذي قد يكون تأسس قبل حكومة بلاده القائمة، لا يكاد يبين! ما الذي تتوقعه منه حينها لو صار السلطان؟ ونحن نرى من فيهم من ضيق الأفق في أي حوار على صفحات الفيس، ما يدفع للقول كيف لو كانت بيدهم ترسانة البلد العسكرية؟

ولو نلاحظ أن كثيرين ممن يسمون أنفسهم معارضة، لا يرون إمكانية في معارضتهم! وينفجر الواحد منهم بتهديداته وجبروته لخلاف لم يصل بعد إلى ثروات وجغرافيا وحدود، وما أن يسمع اسمه على لسان حتى يكشر عن أنيابه منتظرًا المدح أو دونه القتال، فهل مثل هؤلاء يمكنهم ألا يكونوا وجهًا آخر للسلطة التي يلعنونها؟