أبو الفداء – التشنج الأخير

هذا تعليق سريع على رد أبي الفداء الذي كان في صوتيته الأخيرة.. أنصح بسماعها لمن أراد أن يرى الفرق بين كلامه وكلام ابن تيمية، وكيف أنه خطَّأ ابن تيمية في أمورٍ لا يعلمها أبو الفداء، وهو ما سأعرض بعضا منه في هذا المنشور.

(1) يقول بخصوص كلامه في الرد على الملحدين الذي نقلته في المنشور السابق: “ليست هذه حجتي في الرد على الملحدين، إنما حجتي في المنع من مناظرة الملحدين أصلا” [1].

يقال له: حجتك في المنع؟ وماذا أفعل بكلامك الذي أوردته قبل «الحجة»؟ “والصواب في ((((الرد على الطبيعيين)))) عندما يزعم أحدهم أنه لا يجد «دليلا» على أنه مخلوق، ليس كما قبل هؤلاء دعواهم عدم الدليل أو خفاءه، فأجابوا طلبهم تأسيس الدليل على شرطهم الميتافيزيقي الفاسد! ولكن أن يقال للفيلسوف الدهري الطبيعي «أنت سفساط مكابر…»” [2]. وهذا موضع السخرية أصلا، فلو كان كلامك مجرد توبيخ لما علقت عليه!!! لكنك عبت على المتكلمين مطلق النظر في الرد على الطبيعيين واكتفيت بالتوبيخ! فصدق القول فيك بأنك متشنج.

(2) يقول بأن من خفي عليه وجود الله “يعامل معاملة المريض العقلي النفسي، هذا المريض يحتاج إلى علاج” [3].

يقال له: إن كان الملحد مريضا عقليا (مجنونا) محتاجا للعلاج، فقد زال عنه التكليف يا “دكتور”!! فكان من الأولى أن ترحمنا من كتاباتك الشيقة وتدع المصحات العقلية تقوم بواجبها 🌷.

(3) سيكرر في صوتيته أن الفلسفة طمست على قلوبنا حتى أصبحت المسائل عندنا سواء. [4]

يقال له: هذا لا يحتاج إلى رد.. فلو كانت المسائل عندي سواء لما أضعت وقتي في قراءة كتابك وسماع صوتيتك والرد عليهما!

(4) يرميني حسام بالتدليس في نقلي عن ابن تيمية قوله «لو فرض وجود قياس يوافق مقتضى النص لم يمتنع الاستدلال به، فإن توارد الأدلة القوية والضعيفة على مدلول واحد ليس بممتنع، إنما القياس الباطل ما خالف مقتضى النص لا ما وافقه» [5]. حيث يزعم حسام أن كلام ابن تيمية هنا منحصر في الفقه لا على إطلاقه [6].

الرد: بل القاعدة التيمية هذه عامة وإن وظفها ابن تيمية في الفروع الفقهية! ويشهد لذلك قوله «إنما القياس الباطل ما خالف مقتضى النص لا ما وافقه»، فالقياس الباطل هو المخالف لمقتضى النص، لا ما كان موضوعه “الغيب المحض” كما تدعي (فهذا عند أبي الفداء هو موقف المتكلمين كما سيتبين لاحقا).

بل ويشهد لذلك النقول المتوافرة عن ابن تيمية: • “العقليات المحضة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحا لم تكن إلا حقا، لا تناقض شيئا مما قاله الرسول” [7] • “الفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة توجب عليهم تصديق الرسل فيما أخبرت به” [8] • “فمن تبحر في المعقولات، وميز بين البينات والشبهات، تبين له أن العقل الصريح أعظم الأشياء موافقة لما جاء به الرسول، وكلما عظمت معرفة الرجل بذلك، عظمت موافقته للرسول” [9]

ففي أي من هذه النقول حصر ابن تيمية كلامه في الفقه؟ لا يملك أبو الفداء هنا إلا ما اعتاد عليه من التشنج؛ فيخصص الكلام كما يحلو له وهو ما فعله في النقطة التالية.

(5) بخصوص موقف ابن تيمية في نسبية المعرفة البديهية/النظرية، يقول أبو الفداء “نحن ننزه شيخ الإسلام عن هذا الكلام” [10] نعم، دعنا ننزه ابن تيمية عن كلامه!!!! يزعم أبو الفداء أن السلف لم يقولوا بنسبية البديهيات والنظريات (لم يجرؤ على نقل قول أحدهم في هذه المسألة، وسترى في نهاية المنشور مقدار علمه بأقوال السلف)، بالتالي يستحيل أن يقوله ابن تيمية! فعند أبي الفداء، ما قاله ابن تيمية كان على سبيل التنزل والإلزام!! فبالمحصلة: قوّل أبو الفداء السلف كلاما لم يقولوه ليحرف كلام ابن تيمية عن موضعه! ولو أنه فتح كتاب «الرد على المنطقيين» لقرأ: “وإن كان كثير من الناس يحسب ان كون العلم المعين ضروريا او كسبيا او بديهيا أو نظريا هو من الامور اللازمة له بحيث يشترك في ذلك جميع الناس وهذا غلط عظيم وهو مخالف للواقع” [11]. ها قد صرح ابن تيمية أن القول الذي ينصره أبو الفداء غلط كبير! فيا لسوء حظ حسام! كيف سيرقعها هذه المرة؟

(6) سيصطدم أبو الفداء بنقلي عن ابن تيمية “[إن] الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة. وهذا قول جمهور الناس، وعليه حذاق النظار، أن المعرفة تارة تحصل بالضرورة، وتارة بالنظر” [12] فيقول أن كلامه في منع القياس في الغيبيات مجمل له تفصيل. فما تفصيله؟ “إن استعمال القياس مقبول في النقض دون التأسيس في الغيبيات” [13] أما استخدامه في التأسيس فهو من جنس أقيسة المتكلمين والفلاسفة لا من طريق أهل السنة والسلف!

يقال له: قد عبت على المتكلمين مطلق النظر والقياس في (الرد على الطبيعيين) [14]، وفي نقل آخر منعت الاستدلال بالانفجار العظيم في (الرد على الطبيعيين) [15]، وغيرها من المواضع في كتابك لو شئت أن أذكرها لما اتسع هذا المنشور لها! فما سبب التغير المفاجئ؟ لعله التوتر!