تعليق سريع على الصفحات الثلاثين الأولى من «معيار النظر عند أهل السنة والأثر»
كثيرا ما نسمع بالمقولة الشهيرة «لا تحكم على الكتاب من عنوانه»، ولطالما اعتبرت حكمةً نفسية، لكن ما ظهرت لي صحة هذه المقولة بأبين مما ظهرت في حال هذا الكتاب وكاتبه.
فلنقتبس فقرة واحدة لنرى من خلالها مبلغ علم الرجل:
“ومن قبل هؤلاء وجد نفي الباري في بعض النحل الفلسفية الدهرية اليونانية في عصر ما قبل سقراط، كما كان مذهب ثيودورس القوريني أو القورينائي Theodorus of Cyrene (نسبةً إلى إحدى المدن الليبية حيث ولد) الذي ألف كتابا في القرن الرابع قبل الميلاد سماه «حول الآلهة» نفى فيه وجود الصانع واستهزأ بآلهة اليونان وطورد من أجل ذلك. وقد كان أول من سماه الفلاسفة القدماء بلفظة Ho Atheos اللاتينية التي تترجم إلى Atheist الإنكليزية بمعنى الذي لا إله له! وقد تابعه تلميذه أبيقور على دهريته الطبيعية إجمالا، وكان مقلدا للوكريشيوس وديموقريطوس في نظريتهما الذرية المادية التي حولت الواقع كله والوجود كله إلى ذرات متناهية الدقة تتكون منها الصور والأجسام والحركات، بما في ذلك الآلهة نفسها.” ص 33-34.
أولًا، يكفي أن تتنبه إلى «ما قبل سقراط» و «القرن الرابع قبل الميلاد» لتعلم أن هناك خطبا في هذه الفقرة؛ فسقراط ولد في القرن الخامس ق.م. ومات في السنة الأولى من القرن الرابع ق.م.، فأنى لثيودورس هذا أن يكون قبل سقراط؟
ثانيا، يخلط الجهبذ بين ثيودورس القوريني، الفيلسوف الذي ذكر مرارا في محاورات أفلاطون، وثيودورس الملحد المعاصر لأبيقور. ولعل سبب الخلط كون كلاهما من قورينة. ومع ذلك، فثيودورس القوريني كان معاصرا لسقراط (ويذكر أنه كان مربيا لأفلاطون) فلم يكن من رواد الفلسفة قبل سقراط!!
ثالثا، ho atheos لفظة يونانية ὁ ἄθεος ليست لاتينية. ولا عجب، فثيودورس الملحد يوناني، إنما العجب من المؤلف.
رابعا، لا يوجد أي دليل على أن أبيقور كان تلميذا لثيودورس الملحد (بمعنى الملازمة) وإن نقل ديوجين اللايرتي أن أبيقور استفاد بشكل كبير من كتاب ثيودورس «حول الآلهة». ومن يوافق هذا الرأي من الباحثين يشكك أصلا في مفهوم الإلحاد الذي رمي به ثيودورس؛ إذ إن أبيقور الذي يفترض أنه اعتمد بشكل كبير على ثيودورس لم يقل بقوله في المسألة. لكن عبقرينا لا يهمه هذا أبدًا، المهم عنده الجمع بين الآراء المتضاربة بلا تحقيق!
خامسا، ولا تدري هنا أهي كوميديا أم تراجيديا!! يدعي محققنا “الدكتور” أبو الفداء أن أبيقور قد تابع لوكريتيوس في ماديته الذرية.. في حقيقة الأمر، لوكريتيوس شاعر وفيلسوف روماني ولد في القرن الأول قبل الميلاد، وهو الذي تأثر بأبيقور الفيلسوف اليوناني المتوفى في القرن الثالث قبل الميلاد!! (لا، صاحبنا لا يؤمن بالسفر عبر الزمن، أبو الفداء لا يؤمن حتى بنظريتي آينشتاين! والثقب الأسود كذبة كذلك!). ولو أنه قرأ قصيدة لوكريتيوس «في طبيعة الأشياء» لقرأ فيها:
“وأبيقور قد مات بعد أن انتهت دورة نور حياته، هو نفسه فاق الجنس البشري بالعبقرية وحجب الجميع مثلما تحجب شمس السماء عند إشراقها النجوم فهل ستتردد أنت وستتذمر من أن تموت” ص 312 من ترجمة علي عبد التواب وصلاح رمضان السيد وسيد أحمد صادق
ipse Epicurus obit decurso lumine vitae, qui genus humanum ingenio superavit et omnis restinxit stellas exortus ut aetherius sol. tu vero dubitabis et indignabere obire?
فانظر كيف هي حال كتابه من هذه الفقرة التي لم تسلم جملة واحدة فيها من خطأ. فبأي حق يصدر نفسه ويكتب كتابا “يرد” فيه على “الدهرية” وهو ليس بمحقق لمقالاتهم؟ أم أن الموضوع مجرد تجارة بالجهل!!
لا أدري إن كنت أستطيع إكمال هذا المجلد وقراءة المجلدات الست اللاحقة؛ فكما يقال: أهم إشي الصحة!!