حسام مسعود/جاء ليكحلها فعماها

انفعل حسام من النقد الموجه إليه، وبعيدًا عن مجاراة الحشو والثرثرة المعتاد عليهما، أركز على أمر واحد ليظهر حال هذا الرجل، [المشترك المعنوي] في الصفات الإلهية.

فقد قسَّم في كتابه [معيار النظر] الصفات الإلهية إلى ثلاثة أقسام، قسم يختص بالخالق، وقسم يختص بالمخلوق فيتنزه عنه، وقسم [مشترك معنوي]، ونقدته بأنه خلط بين مسألة جواز إطلاق صفة على العبد، أو عدم جواز هذا، وبين مبحث المشترك المعنوي.

على أن كل صفات الرب قائمة به لا يشاركه فيها أحد، وصفات العبد قائمة به لا يشارك الرب في الخارج بشيء من صفاته، بل كل معين من العبيد تقوم به صفاته، ففي الخارج لا يوجد إلا المعيّن المختص المميز عما سواه. لكن بين الموجودات المعينة قدر متشابه، وينزع الذهن إلى ملاحظة ذلك الشبه بين الأشياء ليجعله في معنى كلي في ذهنه، كقول المرء: الوجود: فيشمل كل الموجودات لشبهها ببعضها فيما يتصوره من معنى الوجود، وإلا فهي تتفاوت، إلا أنه لا يمكن فهم الكلام ما لم يصدق على أفراده، دون اشتراك معنوي فيه، والسياق يوضح مقدار التفاوت حين توضع الكلمة في سياق، حيث تتعين المعاني بسياقها، مثل أن يقال: الله موجود، يعين السامع معنى الوجود المقصود بأنه واجب الوجود، غير مفتقر لغيره، بخلاف القول بأن العالم موجود.

المهم خلّط هو في هذا الباب حين جعل المشترك المعنوي قسمًا من الصفات دون غيرها.

فكيف سيرقّع لنفسه؟ هل سيقول يا جماعة أخطأت المسألة، ليس هذا ما عهدناه منه، لا بد أن يتمحّل لنفسه، ويتكلّف لها التأويلات، فقال:

*“كلامي هذا لم أزعم فيه أني أقرر كلام ابن تيمية! فهو كلامي أنا وليس كلام ابن تيمية رحمه الله!”

*“لم أجر فيه على مصطلح الأصوليين الذي تشغب أنت به”!

الأمر قريب من تلك القصة التي رواها الخطيب البغدادي، وهي أن أحد الوضاعين كان يروي على لسان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين الأحاديث، فلما راجعه ابن معين، قال له: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق! كأنه ليس في الدنيا إلا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا!

وهذا كأنه يقول ليس في الدنيا إلا ابن تيمية وأهل الأصول، أنا لي اصطلاحي الخاص، فما الذي عناه باصطلاحه العبقري الخاص؟

قال:

“أنا أقصد بقولي مشترك معنوي أي المعنى الذي يشترك فيه الخالق والمخلوق، على ما يفهم من اللفظ أو التركيب اللفظي على ما هو عليه. فعندما نقول حياة الرب، مثلا، فهو اشتراك معنوي مع المخلوق، دون أن تحمل اللفظة نفسها تخصيصا أو ما يقتضي التخصيص في المعنى بين النوعين”

يقول “حياة الرب” مشترك معنوي دون أن يحمل هذا تخصيصًا ولا ما يقتضي التخصيص! هذا مثاله هو [حياة الرب] بالإضافة إلى الله!

أي إنك لا تفهم من قولك حياة الله، معنى خاصًا بالله، حياة لا تماثل حياة المخلوقين، بل لا تفهم إلا معنى مطلقًا يشترك فيه مع غيره من الأحياء!! ها هو بعد جهد جهيد يجعل صفات الله عز وجل، مطلقات، كقولنا: حياة، سمع، علم! بحيث لا يتخصص هذا في ذهن السامع بمعنى مختص في هذا لله، هذا بعبقريته يجعله قسمًا من صفات الله.

وأحبَّ أن يزيد الخلق من قبسات ذكائه، فقال:

“لأن كلا منهما يوصف بهذا المعنى، بصرف النظر عن الكيف والحقيقة. وأما قولنا “ملك الملوك”، مثلا، فهنا اشتراك في أصل معنى الملك نعم، ولكن هذا التركيب اللفظي الإضافي ليس مشتركا في المعنى الناشئ عنه بين الخالق والمخلوق، فبصرف النظر عن المصطلح، أقول إن لفظة “ملك” تعبر عن معنى يشترك فيه الخالق والمخلوق، كل منهما على ما يليق به، بينما لفظة “ملك الملوك” تعبر عن معنى لا صحة لنسبته إلى غير رب العالمين، فلا يكون مشتركا بينهما من هذا الوجه. فأين الغلط في هذا؟”

يتساءل أين الغلط، سؤال مستنكر!

يزعم أن المشترك المعنوي تابع لعدم جواز إطلاق اللفظ على غير الله، وهذا يشمل كل الصفات الإلهية، فلما تضاف إلى الله، تكون بذلك [التركيب اللفظي الإضافي] فحياة الله، وسمعه، وبصره، كلها لما تضاف إلى الله فهي صفته هو، لا صفة للمخلوقين، ففيها كلها يصدق كلامه بأن ذلك التركيب اللفظي الإضافي خاص بالله، وعليه فهي عنده كلها ليست مشتركة بالمعنى مع غيرها! [فلا يفهم منها شيئًا] أو فيها مشترك معنوي، فيكون [شاملًا لكل الصفات] وبالتالي فلا يوجد في أي قسم من صفات الله قسم [المشترك المعنوي]، فكل صفات الله تخص الله، ولكنه يخلط مباحث جواز إطلاق صفة على العبد، بمبحث [المشترك المعنوي] كما سبق.

وهذا يظهر أي اعتداد منه بنفسه، وأي مكابرة يحاول أن يدفع بها عن نفسه التخطئة!