أنهيت المجلد الأول من كتاب [معيار النظر عند أهل السنة والأثر] لحسام مسعود، ولم أجد منه في محاكاة ابن تيمية إلا ذاك التعبير الكاريكاتيري في المتلازمة القائلة: “وقد بسطنا الكلام على هذا في موضع لاحق” [١]

نصوصه متشنجة كأنك تتابع شجارًا، حافل بالحذلقة باسم السلف، مع ذلك الرفض المصاحَب بالتهويل للعديد من البحوث العلمية كاعتباره الثقوب السوداء خرافة وكلامه عن التقنية بما يذكّر بجاك الول [خرافة التكنولوجيا] الذي كان أكثر انضباطًا منه، وتابعه [تيد كازينسكي].

وبما أن أغلب جمهوره من محبي ابن تيمية، فلو عرِض فهمه لكلام ابن تيمية أو ما يوصله إليه انفعاله، لظهر حال تلك السطور، فتكرر ظهور عدم فهمه لمقالات ابن تيمية على سبيل المثال المثال لا الحصر:

قال في الصفات الإلهية:

“إن من الصفات ما يختص به الخالق مطلقًا، ومنها ما يختص به المخلوق مطلقًا، ومنها ما هو مشترك معنوي” [٢]، وقد مثّل على الأولى بقوله: “لا يوصف غيره بأنه ملك الملوك” [٢] وعلى المشترك المعنوي بقوله: “أما الاشتراك المعنوي فالرب يوصف بالحياة وكذلك المخلوق” [٣]

وهذا عدم فهم منه للأمر فأدخل مبحثين في بعضهما، فمبحث جواز إطلاق صفة كالحياة على المخلوق والخالق، وعدم جواز إطلاق “ملك الملوك” مبحث منفصل عن [المشترك المعنوي] الذي يشمل كل الصفات لا أن المشترك المعنوي قسم فيما يجوز فيه إطلاق صفة على المخلوق مع إطلاقها على الخالق!!

فمثلًا ملك الملوك مشترك معنوي مع المفهوم من قولك [ملك] وهو لله في غاية الكمال، ولولا الاشتراك المعنوي مع غيره لم يُفهم من هذا أي شيء! لا في الحياة ولا في ملك الملوك ولا الرحمن ولا العليّ فمن لم يفهم مثل هذه المسألة لا ينبغي أن يكون مستطيلًا على الخلق، متبجحًا بمعارفه! مصنفًا في معيار النظر.

ويسارع فينسب مقالات الفلسفة المثالية إلى الإسلام مثل قوله:

“يوجد العقل مع انعدام المخ أو مع البينونة من الجسم المادي كما يقوله المسلمون وأهل الكتاب في شأن الروح والعقل جميعا” [٤].

على أن هذا قول ابن سينا وأمثاله الذي يقول فيهم: “لم يكونوا مسلمين على الحقيقة كابن سينا وغيره!” [٥] وقد جعل ابن سينا عمدته في إثبات البعث على اثبات انفصال الوعي عن الأعضاء المادية كما في رسالته في [المعاد] و[الأضحوية].

بخلاف ابن تيمية ومن عبّر عنهم بمقالاته من أهل الحديث، فمن أين نسب هذا لجميع أهل الإسلام؟!

إنه يميل إلى المثالية بقالب اللا أدرية فيرى أن الإنسان مكون من “عنصرين وجوديين على الحقيقة، عنصر ماثل في هذا العالم المادي المحسوس، وعنصر آخر محايث له في عالم غيبي” [٦]

على أن ما يسميه بالعنصر الغيبي المحايث يقصد به الروح وهي “جسم متحرك” بتعبير ابن تيمية، لكنها عند حسام: “لها بُعد غيبي غير مادي”[٧] والتعارض بين التصورين لا يخفى: [جسم][غير مادي]!

ويبلغ به الشطط ليقول: “الروح إنما هو كيان غيبي محض قد خلق على نحو لا يجيز العقل محاكاته، ولغرض معين ومقصود عند الباري جل وعلا، لا يجيز العقل ولا النقل أن يتصف به شيء غير الإنسان!” [٨]

فلندع نقاش عقل حسام، وهو الذي يجعل الروح أمرًا غيبيًا محضًا، فلا أدري كيف يقحم عقله فيه وهو الذي يرفض هذا في كتابه فيرى أنه:

“ما بين معطّل ومجسّم… بدؤوا جميعًا بالتزام مبدأ تجويز القياس في المغيبات” [٩].

على أن مسألة قياس الغائب على الشاهد ليست مرفوضة رأسًا عند ابن تيمية بل إنه يُعمل القياس فيها بضوابط وضحها في عدد من كتبه.

ولنأخذ النقل ففي صحيح مسلم عن ابن عباس مرفوعًا: “لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا”، وهذا يشمل الحيوانات جميعًا من طير وأنعام وغيرها من تحريم تعذيبها وهي مقيدة، وحديث لعن المصورين وتكليفهم يوم القيامة نفخ الروح فيها وكلام الفقهاء عن تصوير ذوات الأرواح شهير، وكلام الشرّاح كلهم دون تخصيص ذلك بالإنسان، لكن هذا الرجل مجرد مفرغ لانفعالاته بصورة كتاب.

————— [١] معيار النظر عند أهل السنة والأثر، أبو الفداء حسام بن مسعود، شركة الروضة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: ١٤٤١هـ-٢٠٢٠م، ص٣٢٧. [٢] معيار النظر، ج١، ص١٦٥. [٣] معيار النظر، ج١، ص١٦٦. [٤] ج١، ص٢٥٠، ٢٥١. [٥] ج١، ص٤٢٧. [٦] ج١، ص٣٧٤. [٧] ج١، ص٣٨١. [٨] ج١، ص٣٧٨. [٩] ج١، ص٢٣٨.