قليل من الفلسفة، ردًا على شايع الوقيان
شايع الذي يعتبر نفسه فيلسوفًا يتبجح بأنه كتب، ثم كتب في الفلسفة، ماذا لو تمت قراءة نص فلسفي له، وجرت مقارنته بكلام لابن تيمية الذي يعتبره قديمًا غير صالح للقرن 21، ليظهر مقدار العمق، ولنأخذ على سبيل المثال بحثه: هل الوجود ممكن أو واجب؟ قال: إن الوجود واجب، وسلسل كلامه بطريقة حافلة بالمغالطات، وعدم الاطراد، والسقط، بشكل منفر فلسفيًا، وقد اختصر مذهبه في المسألة بهذه الفقرة:
“إن ورود لفظة العدم في أي سؤال أنطلوجي يفسد السؤال ويجعله لاغيًا، فقد يلتبس الذهن أحيانًا بسبب هذا الاستعمال اللغوي الطويل، فيظن أن للعدم نصيبًا من الوجود، أو أنه يقف قبالة الوجود، الوجود ليس ممكنًا لأن الإمكان هنا يعني أن الوجود كان يمكن ألا يوجد، وأن العدم يحل محله، ولكن كيف للعدم أن يكون مكان الوجود وهو لا وجود، بعبارة أخرى الوجود يعني أن العدم كذلك ممكن، فكأننا أمام خياران إما الوجود أو العدم، وتلعب الصدفة وربما عوامل أخرى دورًا في اختيار أحدهما ورفض الآخر، ولكن بما أن العدم غير موجود فليس ثَم إلا الوجود، وما دام هو الخيار الوحيد فهو واجب لا ممكن، لو كان الوجود ممكنًا لكان يمكن للعدم أن (يكون) أي أن يوجد ومن هنا فلا مفر من الوجود، فالعدم لا يكون، بل هو كلمة لاغية، لذا لا يوجد سوى الوجود، وبالتالي فهو واجب” [1].
خلاصة هذا الكلام: الوجود واجب، لأنه موجود، فلو كان ممكنًا لكان واردًا أن يكون معدومًا، أن يحل مكان الوجود العدم، ولكن العدم غير موجود في الواقع، فلا يوجد هذا الخيار، ولا يبقى إلا أنه واجب، بتعليل أنه موجود.
حسن لنحلل طريقة استدلاله:
1-العدم غير موجود في الواقع فهل يوجد تصور له في الذهن؟ قال: “العدم ليس شيئًا، بل كلمة، صوتٌ بلا معنى، والمعنى الوحيد للعدم هو الوجود وهذا خُلْف، فلكي نتصور العدم، فلا بد أن نتصوره موجودًا” [2]، فالمعنى عنده مجرد صوت، كلمة بلا معنى، فكيف يحكم على [العدم] وهو لا يفهم من هذه الكلمة معنى بل هي مجرد صوت؟! هو نفسه القائل في موضع آخر: “الشيء المجهول… يمتنع على المعرفة والاستعمال… فهو يقاوم الاستيعاب والالتهام، ويأبى أن يكون موضوعًا من موضوعات الوعي” [3].
2-كيف يحكم على العدم بأنه معدوم دون أن يفطن إلى أنه في هذا تحاكم إلى مفهوم العدم نفسه الذي أنكره!
3-كيف يسلم بفهم الممكن، وهو مركّب على مفهوم [العدم] الذي نفى أن يكون متصورًا، وبالتالي يتساقط مفهومه عن الممكن المبني عليه كذلك!
4-كيف يتحاكم إلى [المستحيل]، حين يحكم باستحالة تصور العدم، وهو يعلل أنه لا يوجد مفهوم للعدم لأنه متى تصورته صار موجودًا [علمًا أن وجوده ذهني]، وهو ما يرد على مفهوم المستحيل، فعلى كلامه بما أنك تتصور المستحيل فليس المستحيل سوى كلمة بلا معنى، لأنك تصورت ما لا يوجد، ولما قلت بوجود تصور له، صار المستحيل موجودًا وهو خُلف!
5-كذلك مفهوم الواجب مرتبط بمفهوم المستحيل المخالف للممكن والواجب، وبما أن المعدوم ليس سوى صوت، فالمبني عليه كالممكن ليس سوى صوت، كذلك المستحيل، وهذا ينسحب على مفهوم الواجب المتضمن لتصور ما سبق!
هذا في أول جزء من فقرة واحدة له، فلا هو اتسق مع كلامه في العدم ليسحبه في الممكن والمستحيل، ولا اتسق بعكس ذلك، فجعل كلامه في المستحيل هو نفسه في العدم، بل كان يوزع خيالاته دون أدنى اتساق، دون أي تدقيق فلسفي حقيقي.
لنأتي إلى حجته الكبرى، إنه يعترض على مقولة: “الممكن هو الذي يستوي فيه الوجود والعدم، ولترجيح طرف منهما يحتاج إلى مرجح” وهي مقولة كلاسيكية معروفة، وقبل قرون كان ابن تيمية قد وجه إليها نقده، فلنأخذ كلام ابن تيمية، فهو يجعل العبارة الصحيحة فلسفيًا عن مسألة الممكن كالتالي: “الممكن الذي لا يوجد بنفسه لا بد له من غيره، فلا يترجح وجوده إلا بمرجح” [4]
أما عبارة: “يستوي فيه الوجود والعدم ولترجيح طرف منهما يحتاج إلى مرجح فيوجه إليها هذا النقد:
“كون عدمه لا يترجح على وجوده إلا بمرجح فهذا محل نزاع” [5]، والصواب أنه لا ترجيح بالعدم وذلك أن “العدم لا يُعلل، ولا يُعلل به” [5]، فإن “عدم الممكن لا يفتقر إلى سبب، بل ليس له من ذاته وجود، فإن لم يكن ثَم سبب يقتضي وجوده بقي معدومًا” [5]، وذلك أن الممكن “ذاته ليست مستلزمة للعدم لتكون معدومة، بل ليست مقتضية للوجود فتكون موجودة، فعدمه مستمر، إذا لم يكن هناك سبب يقتضي وجوده” [5]، فالممكن “[باعتبار ذاته لا يستحق إلا العدم، لا يقال: إنه لا يستحق لا الوجود ولا العدم” [6]، فالمختصر: “عدم الممكن ليس مفتقرًا إلى مؤثر، كافتقار وجوده إلى مؤثر” [7].