وهل لديك إلا ما عليك؟ ردًا على شايع الوقيان

أطل شايع ليقول بأن ابن تيمية بشر له ما له، وعليه ما عليه، هذا بديهي! ولكن ما هو غير بديهي، وهو الأحرى أن تدلل عليه: أهليتك أنت في البحث الفلسفي، فلا يوجد ما يعزز هذا الافتراض، ولذا تكثر سقطاته التي تحسب عليه ثم عليه، ولا تكاد تجد بينها ما هو له!

يقول: يا جماعة لا أريد أن أظهر بصورة المعادي لابن تيمية، هوّن عليك، ليس الحديث هنا لإقناعك بمحبته ونحو ذلك، إنما الحديث في الأهلية، في قدرتك على البحث الفلسفي، لا مشاعرك، أو صورتك أمام الناس، يقول: هو دافع عن ابن تيمية، حتى لو دافعت ما لم تكن تزن كلماتك فلا وزن لها!

حتى فيما يزعم أنه دافع فيه عن ابن تيمية كان يصطنع كلماته، ألم يكن له في الصمت غنية عن الحديث فيما لم يعلم؟ قال في مقاله الذي يمنّ به عن ابن تيمية: “هو خبير بالفلسفة وبمداخلها ومخارجها ومبادئها ومسائلها”[1]، هذا معلوم، يعترف به خصومه وموافقوه، موجود في ترجماته، وكونك قرأت هذا عنه يفترض أن يجعلك تتريث قبل أن تضع رأسك برأسه، فالثقة بالنفس ما لم يزنها العقل، تزين الاندفاع في البدايات، وتغفل عما تؤول إليه في النهايات فقد تدفع بعض الناس إلى التقاعد المبكّر، فكم من واثق أسرع إلى عطبه من حيث زين لنفسه ما لا تحتمل؟!

في المقال نفسه قال: “من المعروف، تاريخيًا أن ابن تيمية كان خصمًا للفلسفة”[1]، أرأيت؟ هذه آفة مواضيع الإنشاء، إنها لا تبقيك في الخط الآمن دومًا، في خط العام والكلام الذي لا يختلف عليه أحد، فسرعان ما يزل بك القلم هنا أو هناك، فيكشف أنه موضوع إنشاء يكتبه والسلام، “من المعروف” عند من؟ كيف عرفت؟ ما هذا الغموض في تقرير المسائل، سمع شيئًا فردده، وصار من المعروف.

لو رجع إلى كلام ابن تيمية نفسه سيجده يقول بكل صراحة: “أما نفي الفلسفة مطلقًا أو إثباتها فلا يمكن، إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات والشرائع، بل وفي الطبيعيات والرياضيات، بل ولا في كثير من المنطق” [2] هو كان ضد فلسفة معينة أما أنه ضد الفلسفة من حيث هي فلسفة فهذا غير صحيح، كيف هذا وهو الذي ينص على وجود فلسفة صحيحة توافق الرسل، يقول: “الفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة توجب عليهم تصديق الرسل فيما أخبرت به” [3]، فهو يقول: هناك فلسفة صحيحة، لكن المعروف عند شايع أنه ضد الفلسفة!

كان على شايع أن يزن كلماته كل حين، وإلا جاءت على وزن تماسك أفكاره، فعُدة [الفيلسوف] كما يقيّم نفسه، 3 كتب جعلها مؤهلة له ليقال فيه فيلسوف، وهي غالبها تلخيصات وعروض، تفتقد التماسك، والاتساق، مما يشي باعتمادها على غير معتمد، على سبيل المثال في كتاب (قراءات في الخطاب الفلسفي):

“المدرستان هما المدرسة التجريبية (المادية) ويمثلها آنذاك بيكون، وهوبز، ولوك، وهيوم، ومل، وترى أن التجربة الحسية هي مصدر المعرفة، والمدرسة العقلية (المثالية) ويمثلها ديكارت، وسبنوزا، وليبنتز” [4]. هل كان بحاجة إلى تنبيه هنا؟ لربما تسعفه مراجع كتابٍ آخر، مرددًا ما فيها، قال في كتاب آخر: “المثالية في عمقها: مقابل الواقعية والمادية مذهب أنطلوجي لا معرفي” [5]

وأخيرًا! نعم لا تلازم بين التجريبية والمادية لم يكن هيوم ماديًا على سبيل المثال أيها [الفيلسوف]!، المادية هي مذهب أنطلوجي، والتجريبية مذهب معرفي، لا بد من النقد ألم توصِ به؟

ثم يسوغ كلامه في ابن تيمية، بأنه وجد له كلامًا لا يعجبه إذ لا يدعو إلى الانفتاح على الشعوب الأخرى، والآن المجتمع السعودي ينفتح على الآخرين، ولا يريد الكراهية، عفوًا؟ من يكرر لمزه لغيره بأنه غير سعودي؟! فلان شامي، سوري… إلخ، قد تكون هذه النظرة نابعة من رؤيته لأفضلية المجتمع السعودي، ثم هو الذي يكرر حديثه عن أهمية العولمة!

ولكن مع ذلك لم يكن يرى أفضلية المجتمع السعودي، بل قال فيه شايع:

“حالة وطبيعة الثقافة والمجتمع السعودي ككل، فالثقافة المسيطرة عليه: وهي ثقافة محافظة، لا تحفل بالعقل، ولا بالتفكير، ولا بالتأمل” [6]

هذه نظرته إلى المجتمع السعودي، فلا هو يعجبه المجتمع الذي يحيا فيه، وإذا سمع برجل خارج الحدود السياسية لبلده، ذكر موطنه! في سياق تعليل رفضه: فلان شامي، ليفهم منه عليكم بالسعودي، ثم إن المجتمع بنظره خال من العقل والتفكير والتأمل، فلم يبق إلا أندر العملات، ما بقي إلا أن تبحثوا في تويتر عمن كتب عن نفسه “فيلسوف”، إنها صورة عملية للأنا-الوحدية في الفلسفة، ذلك الإلزام الذي يؤرق كل الفلاسفة، حيث لا يبقى شيء غيره في الوجود!


[1] ابن تيمية الفيلسوف الذي نقد الفلسفة، شايع الوقيان، عكاظ، 17-إبريل-2010. [2] منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ج1، ص357. [3] منهاج السنة النبوية، ج1، ص365. [4] قراءات في الخطاب الفلسفي، شايع الوقيان، ص55. [5] الوجود والوعي، شايع الوقيان، جامعة الكوفة، بيووت-لبنان، الطبعة الأولى: ٢٠٢٠م، ص57. [6] قراءات في الخطاب الفلسفي، شايع الوقيان، ص71.