أوشو، وتنظيمه العالمي!
هذا الرجل، الذي تنتشر كتبه المترجمة باللغة العربية، باعتباره مفكرًا وفيلسوفًا عميقًا، لم يكن أيًا من ذلك، قام بخليط من التنمية البشرية، ومجموعة من الاقتباسات من التراث الهندي، والتقنيات النفسية، موظفًا دراسته في الفلسفة، لجعلها على صورة حكم متناثرة، ليضم إليه الأتباع في الهند، حيث كان له معبد يزوره القاصدون إليه، وتكاثر الأوروبيون والأمريكيون في ذلك المعبد، وقدّموا إليه أموالًا طائلة، وحين بدأت الحكومة الهندية بتتبعه، بتهم التهرب الضريبي، نسق مع مريديه الأمريكيين ليرحل إلى الولايات المتحدة.
قدم نفسه على أنه سيجمع [روحانية الشرق] مع [مادية الغرب] وهناك نقل معبده الهندي، حجرًا حجرًا، طالبًا تصريحًا له بصفته زعيمًا دينيًا محترمًا، اشترى قطعة أرض على امتداد البصر، وبدأ مستعينًا بأحدث الخبراء والعلماء بإنشاء مجتمعه الجديد، ذلك المجتمع الذي كان من منتجاته [مريم نور] التي عرفها المتلقي العربي، حين كانت تطل على شاشات التلفاز جالبة النعاس إلى مستمعيها، في حديثها عن التصالح مع النفس والطبيعة، والطاقة، والتنجيم، والاقتباسات المتنوعة من كل ديانة، وفلسفة.
في الولايات المتحدة حيث حط [باجوان] أو اسمه [أتشاريا] أو [أوشو] حسب ما أراد التنكّر، أنشأ مجتمعه في قرية أنتلوب، في ولاية أوريغون، وقد اختار لأتباعه لباسًا موحدًا البرتقالي-الأحمر، كان المجتمع هناك بدون أي محرمات جنسية حرفيًا، مع قاعة كبيرة تسع 10 آلاف شخص، للرقص وحفلات الهستيريا، وكان في نظر أتباعه السيد، المعلم، يسجدون له، ويتملسون به، وهو يضع لهم أورادهم التي يقومون بها في حالات التعري الكامل، مما أثار حفيظة سكان القرية، وبدأت المعارك القانونية لمنع قيام ذلك المجتمع بينهم.
مع حدة التوتر في قرية أنتلوب، بدأ التسليح من جماعة أوشو، أحصت الحكومة الأمريكية أنهم ملكوا مليون رصاصة لأسلحة كلاشنكوف روسية الصنع، دون حساب غيرها من الأسلحة، وشيئًا فشيئًا بدأوا يشترون بيوت سكان القرية، صار لهم متحدثة باسمهم عرفت باسم [شيلا] هندية من أتباعه، وقد بدت كنجمة إعلامية، ثم كثورية مسلّحة لا تظهر إلا والمسدس في خاصرتها.
بدخولهم الانتخابات بعد أن سيطروا على قرية أنتلوب، صارت الشرطة بأيديهم، وهي التي تولت حراسة الزعيم [أوشو] مسلحين ببنادق [عوزي-إسرائيلية الصنع] وغيروا اسم القرية إلى [راجنيشبورام]، غيروا كذلك أسماء الشوارع إلى أسماء مثل [بوذا] ونحو ذلك، ثم بدأت [شيلا] ترسل تهديداتها بحرب أهلية إذا تعرضوا لهم، أو تصفية رؤوس مخالفيهم، [إدينت لاحقًا بتهمة الشروع في القتل] لم يخفوا أنهم [رأسماليون] وكان أوشو لوحده يمتلك 20 سيارة رولز رويس، وافتتحوا الكازينوهات، المطاعم، صالات القمار، في كل موطن وصلوا إليه، أستراليا، إيطاليا، الهند، وغيرها.
في فترة الانتخابات تعرضت البلدة إلى تسميم كبير وصل إلى 700 شخص، أشارت أصابع الاتهام إلى جماعة أوشو، للتأثير على نتيجة الانتخابات، لاحقًا قامت [شيلا] بانشقاق عن أوشو وهربت مع مجموعة من تابعيها محملة بملايين الدولارات، لتخلفها زوجة منتج فيلم [العرّاب]!!
كان المجتمع الذي أقامه [أوشو]، مجتمعًا مسلحًا يتدرب كل يوم على الأسلحة الأوتوماتيكية، بالإضافة إلى حفلات الجنس المفتوحة كان [أوشو نفسه] مدمنًا على المخدرات، وأقام مجتمعه بحجة التنوير العالمي، وكسر القيود، والمحرمات البائدة، وفي البداية كانوا يسوّقون لأنفسهم على أنهم ديانة لكسب التعاطف، وأن التضييق عليهم إنما هو اضطهاد ديني، لاحقًا أعلن أوشو أنهم ملحدون، وأنه لا ديانة لهم، وسمح لأتباعه بتغيير الزي الموحَّد، كانوا يريدون جمع الكل في ذلك المجتمع تحت قيادته [الروحية]، باعتبار مجتمعهم نموذجًا للمدينة الفاضلة، ومع الملاحقات القانونية فر بطائرته حاملًا ملايين الدولارات، إلا أنه قبض عليه، ورحّل بصفقة تضمن اعترافه بالتُّهم الموجهة إليه، ليموت في الهند، ويبقى أتباعه إلى اليوم، يجلسون يتحدثون عن المحبة، وقبول الآخر، والطاقة والانسجام مع الطبيعة! مع حذف الحديث عن تلك التجربة في الولايات المتحدة، أو الاستجداء بالدموع حين يصل الكلام إلى محتواها، في 2018، أنتجت سلسلة وثائقية عنهم بعنوان [Wild Wild Country].