حتى لا يشيع الخطَل؛ ردًا على شايع الوقيان
أطل شايع الوقيان بكلام له حول ابن تيمية، هذا الكاتب الذي لم يكتشف جاليليو-للأسف-مثلَ طريقته في حيازة لقب “فيلسوف”، وإلا هوّن على نفسه مشقة أبحاثه التي أمضى بها عمرًا ليجرؤ بعدها على القول: “إن استحقاقه لهذا اللقب يبدو جليًا بمجرد أن يحصل على فرصة لمجادلة أكثر الفلاسفة تقديرًا واحترامًا” [1].
هذا كان شأن جاليليو، أما شايع، فقد أعلن عن نفسه فيلسوفًا في “تويتر”! لم يكن بحاجة إلى انتظار فرصة يجادل بها فلاسفة، فقد أعلن النتيجة بنفسه لنفسه، لقد قدّر أنه يستحق هذا اللقب وها قد ناله… تهانينا، بطبيعة الحال لا تبدو النتائج مستغرَبة حينما يكون الطلاب هم الذين صححوا امتحاناتهم بأنفسهم!
بدا شايع مصدومًا من متابعة نهج ابن تيمية، وهو العلَم الذي ذاع ذكره، فشايع باطلاعه “الواسع” بيّن مقدار التفلسف الذي بلغه، إن ابن تيمية كما وصلت آخر أبحاث شايع: “رجل عازب”!
ما علاقة هذا بتعليل استغرابه من متابعة نهجه؟ ما الذي يحتاجه شايع حتى يعجب بمنهج رجل من حالته الاجتماعية؟ ما علاقة حالته تلك بما يقدمه من فكر وطرح؟
لربما من يعجبون شايعًا نالوا تلك الحظوة لأنهم لم يكونوا عازبين، أرسطو مثلًا حالته الاجتماعية: متزوج، وبالإضافة لهذا كان يقيم علاقة جنسية مع غلام يدعى مرمكس، قد يقلب هذا الأمور قليلًا وفق هذه “الفلسفة”!
ميشيل فوكو، مات بالإيدز لمغامراته الجنسية المثلية.
هيدجر الذي يمكن وصف شايع محاكاةً لعنوان كتاب جورج برناندو: (مولع بفاجنر) بأنه: مولع بهيدجر، كان على علاقات متعددة، أشهرها مع حنا آرنت طالبته اليهودية، واستمرت علاقته بعشيقته رغم انقطاع طويل حتى إنه لاحقًا عرّفها بزوجته، زوجته التي عرّفته بأن ابنه لم يكن ابنه، ولكنّ هايدجر-المقذوف في العالم-أبقى على اعترافه به.
لربما هذه الحالة الاجتماعية تجعل هؤلاء مختلفين عن ابن تيمية في نظر شايع، وبالتالي يستحق أن يلمز ابن تيمية تحديدًا بأنه رجل عازب!
ثم إن ابن تيمية من سورية! يا لهذا الذنب الذي لا يُغتفر! ما علاقة هذا برفضه لمنهج ابن تيمية؟ هذا الكاتب الذي أعطى نفسه لقب الفيلسوف، لعله يحاسب الناس على الموطن الذي وضعتهم فيه أمهاتهم! أو لربما يعتقد أنه أفضل من غيره لأنه ولد في موطن مختلف، كل هذا غير مستغرب متى كان التقييم دون جهود تبذل لنيله.
قال: “رجل يرى أن كل المسلمين كفرة لأنهم يختلفون معه” عفوًا:
1-لم يختلف معه كل المسلمين أصلًا. 2-ولا هو اختلف معهم جميعًا. 3- ثم من يوافقونه-على زعمك-لا يكفرّهم، فبطل التعميم [كل المسلمين]. 4-وليس كل خلاف يكفر فيه ابن تيمية، فبطل إطلاقه [الاختلاف]. 5-ثم ليس كل تكفير مطلق يصدق على المعين، فيتضاءل الاتهام أكثر. 6-وليس كل تكفير ديانة، يقال هو تكفير قضائي، فتقلص زعمك أكثر، ثم بعد كل هذا-إن عقلته-تأتي ببينة دعواك، فأنت المدعي!
لكنه يظهر الحريص على المسلمين، حسن، من الذي ينبغي أن نرجع إليه عندك لمصلحة المسلمين؟ “حسب تعبير هيدجر” [1]، “حسب عبارة هيدجر” [2]، “يذكر هيدجر” [3]، “كما يرى هيدجر” [4]، “يرى هيدجر” [5]، هذا ما كان شايع يردده كل حين، إنه مولع بهيدجر، لقد كان يظهر إنسانيته وخوفه من تكفير المسلمين، لكنه وجد أخيرًا شخصية يمكن الرجوع إليها، وانتهاج سبيلها، إنه مارتن هايدجر.
هيدجر الذي عُين رئيسًا لجامعة فرايبورخ في عام 1933، منضمًّا إلى الحزب النازي، ألقى خطاباته الداعمة للحزب الهتلري على مسامع الطلبة وهيئة التدريس، وحشا في هذه الأثناء دفتر يومياته بتعليقات ذات نكهة نازية، نشرت بعنوان: (الدفاتر السوداء) في 2014[6].
وفي نوفمبر 1933، قام: “بإعلان دعم أدولف هتلر والدولة القومية الاشتراكية” [7]، وقام بتوظيف منصبه لخيانة أستاذه هوسرل الذي كان من أصل يهودي، فرغم تقاعد هوسرل، إلا أنه فقد مكانته الفخرية وما يتعلق بها كالسماح له بدخول منشآت الجامعة، كذلك فقد ابن هوسرل وظيفته، وفي العام نفسه، صدرت طبعة جديدة من كتاب هيدجر (الكينونة والزمان) حذف فيها الإهداء إلى هوسرل [8].
هذا الذي يعجب شايع الوقيان، شخصية كانت تؤمن بالانقسام العرقي بين البشر كما هو معتقد النازية التي كان هيدجر جزءًا من آلتها، خوفًا من الانقسام الديني بزعمه، على رغم أن “الانقسام على أساس ديني أكثر إنسانية؛ لأنه في الإمكان دائمًا عبور الهوة التي تفصل، وتفرِّق بين الأديان، أما الهوة البيولوجية التي تفصل بين الأجناس فلا يمكن عبورها” [9].
قد يقول لا لم أقصد أن يحاسب المرء على حالته الاجتماعية، ولا على موطنه، وحتى لا أحاسب على المواقف العقدية حتى لو كانت تتعلق بالانضواء تحت الحزب النازي!!! فالمهم هو الفكر، فيقال له: كان الأحرى بك حينها أن توفر على شركة الاتصال نقل تغريداتك، بدلًا من الهراء!
[1] الفلسفة بين الفن والأيدلوجيا؛ نقد ميتافيزيقا التصور، شايع الوقيان، المركز الثقافي العربي، بيروت-لبنان، ص55. [2] الفلسفة بين الفن والأيدلوجيا، شايع الوقيان، ص75.