متخصص يعرف ما سيفعل!

هذا الحدث درس في التفكير المنطقي، في تقليص الثقة المفرطة بالمتخصصين، ويعلم ما يفعل، ونحو ذلك، تبدأ الحكاية في ١٩٨٣ حين تعتقل الشرطة الأمريكية في تكساس هنري لوكاس، بجريمة قتل، إلا أن لوكاس سيفجر كارثة في المحكمة حين يقول للقاضي: ماذا ستفعل حين تعلم بوجود [١٠٠] قضية قتل أخرى ارتكبتها غير هذه القضية!!

تتسلط الأضواء على لوكاس، اسمه في أوائل الجرائد، تبدأ الشرطة بالتحقيق، كان هادئًا، متعاونًا، يقول لهم أدق التفاصيل، وليعلن الشريف الذي اعتقله بأنه أكبر قاتل متسلسل في تاريخ الولايات المتحدة، عبر مختلف الولايات كانت القضايا المرتبطة به تزيد حتى وصلت إلى [٦٠٠] قضية، مستعملًا [٣٨] نوعًا من الأسلحة، ويدلي بأدق التفاصيل.

صارت شهرته عالمية، حتى زاره وفد ياباني لمشاركة المحققين، كل قضية يعترف بها يعطونه عصير الفراولة الذي يحبه، يشرب في اليوم أحيانًا [٦] أكواب، وهذا يعني اعترافه بـ[٦] جرائم قتل، يطير بالطائرة لأول مرة في حياته لزيارة مسارح الجرائم، يلبس، يأكل، يدخن على حساب الشرطة، تلاحقه شاشات التصوير، وتُلتقط الصور بجانبه لحرّاس تكساس الذين حازوا أرفع الأوسمة لقاء هذا الكنز، يجتمع بكبار أطباء النفس لتحليل هذا الكائن.

-هؤلاء الأطباء يعرفون عملهم، كما تعرف عملك يا هنري، جاءوا ليتعلموا منك، أنت الآن أستاذ [قال له أحد الضباط في تقديمه لمجموعة من أطباء النفس]

لكن! مع تكاثر اعترافاته زادت حدة التناقضات فيها، فوجوده مثبت في منطقة ويعترف بجريمة في ولاية أخرى، ثم أخرى كأنه يتنقل بصاروخ، وهو ما أدى لانقلاب المدعي العام على الشرطة، فوجه لهم نقدًا قاسيًا، وهو ما جرَّ عليه تهديدات، ثم اكتشف أن الأمر أكبر منه حين أعدت قناة تلفزيونية سلسلة من ١١ حلقة تهاجمه، ليعتقل المدعي العام بعدها ثم تبرئه المحكمة، وانهار بذلك طموحه السياسي.

أدين لوكاس بالإعدام، ولكنه قال بأن اعترافاته مزيفة، كان يكذب حتى يؤخر نقله إلى السجن، وكان يخبرهم بما يريدون، كانت الشرطة تزوده بكل ما يحتاج لروايته، يطلع على الخرائط، صور مسرح الجريمة، يطلعونه على أدق التفاصيل، ويوجهونه بأسئلتهم، كان يقفل لهم كل قضايا الولاية، منها قضية أدين بها ابن ضابط شرطة وحكم عليه فيها بـ[٢٥] عامًا، وقبل الاستئناف قال الشريف للوكاس: هناك قضية اتهم بها ابن ضابط، لا نعتقد أنه فعلها، فاعترف بها لوكاس، وأطلق سراح ابن ضابط الشرطة.

بدأت القضايا الكاذبة تتكشف لاحقًا، وهذا يعني أنه غطى على العديد من القتلة باعترافاته، ومع التقدم العلمي، جرى فحص DNA من آثار القاتل لبعض الضحايا التي اعترف لوكاس باغتصابها وقتلها، كان كاذبًا، وتطابقت مع غيره، ٢٠ قضية ثبت على غيره فعلها، لكن لوكاس مات في السجن ٢٠٠١، ولا زالت الشرطة ترفض إعادة فتح ملفات العديد من القضايا التي اعترف بها، في ٢٠١٩ صدرت سلسلة توثيقية عن قضيته بعنوان [the confession killer].